جواب: لقد تبين لنا بمننتهى الوضوح أن جميع العناصر المعتبرة في الإيمان عند جمهور السلف والأئمة هي نفسها العناصر المعتبرة عند الحنفية؛ وأنه ليس هناك اختلاف على الأحكام في الدنيا والمآلات في الآخرة؛ فالجميع متفقون على أن الاعتقاد القلبي إذا صح وتحقق بشطريه العلمي والعملي، انعكس ذلك بالضرورة على الظاهر، فخضع اللسان بالإقرار، وانقادت الجوارح بالطاعات؛ وأن هناك علاقة مطردة بين الباطن والظاهر، أو بين القلب والجوارح، أو بين الاعتقاد والعمل.
ولكن الحنفية أطلقوا اسم الإيمان على جزء فقط من هذه العناصر -وهو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان- واعتبروا أن العنصر الأخير -وهو العمل بالجوارح- إنما هو ثمرة أو لازم أو نتيجة أو معلول أو مسبّب؛ لا بد أن يتحقق إذا تحقق الأصل أو الملزوم أو المقدمة أو العلة أو السبب؛ إلى آخر هذه التعبيرات. بينما أدخل بقية السلف والأئمة جميع هذه اللوازم تحت نفس الاسم؛ فأصبح الإيمان عندهم إذا أطلق يشمل الملزوم ولازمه جميعاً بطريق التضمن.
ولم يبق إلا"نزاع لفظي"في أن موجب الإيمان الباطن -أي العمل الظاهر- هل هو جزء منه داخل في مسماه، فيكون لفظ الإيمان دالاً عليه بالتضمن والعموم؟ أو هو لازم لمسمى الإيمان ومعلول له، وثمرة له، فتكون دلالة الإيمان عليه بطريق اللزوم؟" [1] ."
(1) الإيمان الأوسط ص96 وص117 وشرح الطحاوية ص374.
ونقرر هنا أن الحق هو ما عليه جمهور السلف والأئمة، فكلامهم أصح وأولى بالدليل وهو أن الإيمان إذا أطلق شمل الملزوم ولازمه جميعاً بطريق التضمن والعموم ودخل العمل الظاهر في الإيمان كجزء منه داخل في مسماه. ولكننا توسعنا قليلاً في تحرير محل النزاع بدقة بين مذهب الحنفية في تعريف الإيمان ومذهب جمهور السلف والأئمة لكي نثبت أن عامة الخلاف بين المذهبين خلاف لفظي كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية وأن في هذا كما ذكرنا قبلاً قطع للطريق على جهمية العصر الذين أسقطوا قيمة العمل من الإيمان بالكلية حتى عمل القلب وقصروا قضية الإيمان على مجرد التصديق والكفر على التكذيب فقط وراحوا يتمحكون ببعض تعريفات العلماء من الحنفية وغيرهم للإيمان بأنه التصديق ولم يحققوا مقصود هؤلاء العلماء على وجهه الصحيح.