فهرس الكتاب
الصفحة 54 من 192

جواب: جماع شبهتهم في أن الإيمان إذا ذهب بعضه ذهب كله؛ هو أن الحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها؛ كالعشرة فإنه إذا زال بعضها لم تبق عشرة؛ وكذلك الأجسام المركبة كالسكنجبين [1] إذا زال أحد جزئيه خرج عن كونه سكنجبيناً. قالوا: فإذا كان الإيمان مركباً من أقوال وأعمال ظاهرة وباطنة، لزم زواله بزوال بعضها!

وجواب أهل السنة عن ذلك: أن الحقيقة الجامعة لأمور، إذا زال بعض تلك الأمور، فقد يزول سائرها وقد لا يزول؛ ولا يلزم من زوال بعضها زوال سائرها. ونحن نسلم أن الهيئة الاجتماعية ما بقيت كما كانت، وأن المركب ما بقي إلا بعضه لا كله؛ ولكن يبقى النزاع: هل يلزم زوال الإسلام بزوال بعض أجزائه؟ [2] .

فيقال لهم: المركبات في ذلك على وجهين:"منها"ما يكون التركيب شرطاً في إطلاق الإسم؛"ومنها"ما لا يكون كذلك. فالأول كإسم العشرة، وكذلك السكنجبين؛ والآخر كالحنطة والماء والتراب وكافة المكيلات والموزونات وجميع المركبات المتشابهة الأجزاء؛ بل غالب المركبات من هذا النوع [3] .

فالجبل مثلاً يقال عليه جبل وإن ذهب منه أجزاء كثيرة؛ وكذلك البحر والنهر والمدينة والدار والمسجد ونحو ذلك. وكذلك أسماء النبات والحيوان يقطع منها والإسم باق. وكذلك لفظ العبادة والطاعة والخير والحسنة والإحسان والصدقة والعلم؛ يطلق الإسم على قليلها وكثيرها. وكذلك لفظ"القرآن"فيقال على جميعه وعلى بعضه؛ وكذلك لفظ القول والكلام والمنطق ونحو ذلك [4] .

والعبادات كالصلاة والحج مثلاً؛ فيها أركان متى تركت لم تصح العبادة؛ وفيها واجبات تنقص العبادة بزوالها عن كمالها الواجب؛ وفيها مستحبات تنقص بزوالها عن كمالها المستحب. ومعلوم أن الإيمان من هذا الباب؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان) "الصحيحان"فأخبر أنه يتبعض ويبقى بعضه، وأن ذاك من الإيمان. فعلم أن بعض الإيمان يزول ويبقى بعضه [5] .

(1) الإيمان الأوسط ص52. والسكنجبين: شراب مكون من حامض وحلو.

(2) الإيمان الأوسط ص52.

(3) الإيمان الأوسط ص52.

(4) الإيمان الأوسط ص52.

(5) الإيمان الأوسط ص52.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام