جواب: كثير من ألفاظ اللغة العربية يكون بين معانيها ارتباط عقلي أو عرفي أو وضعي؛ بحيث أنها إذا ذكرت مجتمعة فهم من كل واحد منها معناه الأصلي فقط دفعاً للتكرار؛ وإذا ذكر بعضها كان بمفرده مغنياً عن ذكر الباقي، حتى كأن كل واحد منها صار عنواناً على مجموع تلك المعاني [1] .
وهكذا كإسم الفقير والمسكين؛ فإن أُفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دلّ أحد الإسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها [2] وذلك لأن عطف الشيء على الشيء في القرآن وسائر الكلام يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع اشتراك المعطوف عليه في الحكم الذي ذكر لهما [3] .
وهكذا كل اسم من أسماء دين الله -والذي هو في نفسه واحد- يدل على صفة ليست هي الصفة التي دل عليه الإسم الآخر؛ وتكون تلك الصفة الأصل في اللفظ والباقي تابعاً لها، ثم صارت دالة عليه بالتضمن. وكذلك أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى، كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدّسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الإسم الآخر. وكذلك أسماء كتابه وأسماء رسوله صلى الله عليه وسلم [4] .
فإذا ما عدنا إلى الأصل اللغوي للفظ"الإيمان"لوجدناه يدور حول التصديق المقترن بالطمأنينة والإقرار والأمن؛ بينما يدور معنى"الإسلام"حول التسليم والانقياد والاستسلام. و"التصديق"وهو اعتقاد الصدق محله القلب -هذا أصله- فإن سمينا الاعتراف والإقرار باللسان تصديقاً فإنما نسميه بذلك لكونه ترجمة لذلك التصديق القلبي وعبارة عنه؛ وإن ذهبنا نسمي امتثال الأمر تصديقاً لغوياً لجاز ذلك أيضاً [5] .
أما"الانقياد"وهو الطاعة والامتثال؛ فإنه بحسب حقيقته اللغوية يتسع لكل هذه المراتب الثلاث؛ لأنه إما بالظاهر أو بالباطن أو بكليهم. فالانقياد الباطني يشمل التصديق والرضى والمحبة والنية وغير ذلك من الأحوال والأعمال القلبية؛ والانقياد الظاهري يتناول الاعتراف باللسان والخدمة بالجوارح [6] .
(1) المختار من كنوز السنة لدراز ص74.
(2) جامع العلوم والحكم ص24.
(3) الإيمان لابن تيمية ص138.
(4) الإيمان لابن تيمية ص35 وص157.
(5) المختار من كنوز السنة ص57.
(6) المصدر السابق.