وكما ساوى الخوارج والمعتزلة بين جميع أنواع المعاصي سواء تلك التي تصيب الإيمان في أصله أو تلك التي تصيبه في فروعه وشعبه، واعتبروها جميعها مخرجة من الملة؛ ساوى هؤلاء المرجئة المعاصرون بين جميع المعاصي أيضاً ولكن اعتبروها كلها غير مخرجة من الملة حتى تلك التي تنقض الإيمان في أصله، إلا أن يكون صاحبها مستحلاً لها!
ولم يفسروا الاستحلال بشيء إلا بالتكذيب! فالمرء عندهم لو تلبس بشرك أكبر أو كفر أكبر مخرج من الملة بيّن جلي لنا فيه من الله برهان؛ ولكنه لم يعلن التكذيب بلسانه لا يكفر -وهذا ما لم يقل به حتى أسلافهم من الجهمية الأوائل الذين كانوا يقولون بكفره وخروجه من الملة في الظاهر ولكنهم يتوقفون في حكمه في الباطن أي عند الله على الحقيقة -بل وذهب بعض هؤلاء المرجئة المعاصرين إلى أنه حتى لو أعلن الكفر أو التكذيب أو الاستهزاء بلسانه، فقد يكون معذوراً بجهل أو تأويل أو خطأ أو سوء تربية! أو عدم تحقق الشروط وانتفاء الموانع؛ إلى آخر هذه القائمة من المماحكات السخيفة التي يخفون وراءها حقيقة تجهمهم وتفوقهم حتى على أسلافهم من الجهمية الأول! تلك المماحكات التي وصلوا بها إلى عدم كفر أحد أو تكفيره على التعيين ممن تكلم بالشهادتين في هذه الحياة الدنيا!
نسأل الله الإخلاص والإصابة ..
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ..
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه؛ وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
أهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..