الله عزوجل برَّأ هذه الأمة أن تكون محتاجة إلى غيرها في كل صغيرٍ وكبيرٍ. ولذلك محمد صلى الله عليه وسلم وهو بشرع الله الذي أوحاه إليه وعلَّمه لهذه الأمة وبشخصيته صلى الله عليه وسلم كما تكلمنا في علم الحديث ما هي أركان بناء الأمة المحمدية، أمة الإسلام: أولاً: القرآن. ثانياً: السنة. ثالثاً: شخصية النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى صحيفة في يد عمربن الخطاب، من صحف اليهود، فماذا قال؟ هل رضي بذلك وقال"جيد، خذ منها واستفد، لعل فيها حكماً، وفيها علوماً وفيها بعض الفوائد، ما نحتاج إليه"؟ هل رضي صلى الله عليه وسلم منه ذلك؟ لم يرضى صلى الله عليه وسلم منه ذلك وقال:"أمتهوكون فيها يابن الخطاب، والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني، والله لقد جئتكم بها بيضاء نقية". [1]
ما معنى"بيضاء نقية"؟ الواضحة، فإذاجئتَ بشيءٍ آخر، سيكون سواداً، يلطخ هذا البياض ويطمس معالم النور فيه .. لا يعني هذا أن المسلم لا يقرأ أفكار الأخرى ليرد عليها أو يناقشها، أو يتبين ضلالها، فهذا أمر لا ينهي عنه، ولكن المنهي عنه أن نعتبر أن هناك ولو جزءاً بسيطاً من الحق موجودٌ في غير الإسلام، وليس موجوداً في الإسلام ونحن نحتاج لكسبه من غير الإسلام، أو نعتبر أن الإسلام يحتاج ولو جزءاً صغيراً من الحق في غيره، لا يوجد أبداً شيءٌ من الحق إلا وهو موجود في الإسلام، وإذا كان في المذاهب الأخرى والديانات الأخرى والفرق الأخرى والعقول الأخرى شيء منه الحق، ففي أمتنا ما هو أولى منه وأنصع وأوضح. لا نحتاج إلى أي شيء من الأمم الأخري، وإذا أخذنا أي شيءٍ لنُشكل به شخصية المسلم المعاصر، أو شخصية المسلم، إذا أخذنا بأي شيءٍ - ولو كان يسيراً - من أي فرقةٍ أو أي مذهب أو أي إفرازٍ عقلى من أي أمة من الأمم، فإنه يعتبر هذا الأخذ، مَنفذ ضعفٍ في تكوين شخصية المسلم ..
شخصية المسلم، شخصية قرآنية، شخصية المسلم هو شخصية المسلم الصحابي، الذي كان له مصدر تلقي واحد، وإذا شئتم أن تتوسعوا لتروا أن الأمة الإسلامية الأولي، التي شكلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن الوحيدة في الوجود في ذلك الوقت بل كان هنا، حضارات كثيرة، كانت الحضارة الفارسية، والحضارة الرومانية وليدة الفكر اليوناني، كان موجوداً، ومع هذا، النبي صلى الله عليه وسلم أبي أن يأخذ أي مسلمٍ، أي طرفة عين من
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبدالله برقم (15195) . قال الهيثمي (174/ 1) : رواه أحمد وأبويعلي والبزار وفيه مجالد بن سعيد، ضعفه أحمد ويحيي بن سعيد وغيرهما. والحديث حسنه الألباني في (ارواءالغليل) و (ظلال الجنة) وفي تحقيق (مشکاة المصأبيح) . حسنه من أجل طرقه، وذکر طرقه في (الارواء) رقم 1589.