هناك غلاة المرجئة: قالوا: الإيمان هو المعرفة فقط، من عرف ربه فهو المؤمن سواء أقر، التزم، تابع، وصدّق، كل هذه، لا قيمة لها، المهم المعرفة، من عرف الله فهو المؤمن ..
هذه العقيدة، مصيبة وطامة كبيرةٌ، لأن فرعون كان يعرف ربه وأبوجهل كان يعرف ربه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) [1] ، والمنافقون يعلمون ويعرفون ربهم، وإبليس يعرف ربه .. ، هؤلاء - كما ترون - من أضل خلق الله، ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله:"من قال الإيمان هو المعرفة فقط، فهو كافر" [2] . لأنه بهذا يحكم بالإسلام على من حكم القرآن عليه بالكفر .. وهذا تكذيبٌ للقرآن، وهذا كفرٌ ..
نحن قلنا الإيمان عندنا"عقد الإلتزام"، وقلنا هو: المعرفة، ثم التصديق والإقرار، الذي هو يتضمن المتابعة والإلتزام. لكن زدنا"المتابعة"لأن لا يظن ظانٌ أن الإقرار غير متابعة. وهذا سميناه"عقد الإلتزام"الذي تضمَّن أمرين اثنين، الأمر الأول: تصديق خبرالله عزوجل. ثانياً: إمتثال الأمر ..
الآن الفرقة الثانية من المرجئة وهم ضلالهم أشد، قالوا: الإيمان هو التصديق، وهو المتعلق بماذا؟ بقضايا الأخبار ..
إنتبهوا لهذه الإنحرافات ماذا جرت على أمتنا .. أغلب أهل البدع المعاصرين يقولون"الإيمان هو التصديق". وهذه الفكرة، الحقيقة حملها الأشاعرة الذين غلب فكرهم على أهل السنة والجماعة، كما بينا سابقاً، قلنا أن الأشاعرة غلبوا أهل السنة على أرض الواقع وأخذوا أغلب الأمة إلى فكرهم. قالوا: الإيمان هوالتصديق ..
و لنُقِرِّ ونعترف، أن كلمة الإعتقاد نشأت من هنا، فإن مسائل الإعتقاد التي صارت تميز الرجل عن الآخر كلّها لها تعلقات بمسائل التصديق. ولو رجعتم إلى الكتب التي تسمى العقائد - مثل متن العقيدة الطحاوية -، تجدون أنه لا يتكلم عن مسائل الأمر، ما فيه كلامٌ عن مسائل الأمر، كلها قضايا متعلقة بمسائل التصديق، يتكلم لنا عن الجنة، عن النار، عن الميزان، عن الصراط، ورؤية الله يوم القيامة وهكذا .. ، كلها كلام في مسائل الصديق التي هي الأخبار. أما الكلام على قضية الإيمان بمفهوم أهل السنة والجماعة وهو حق الألوهية لله الذي هو وصف الإستحقاق. هذا الكلام صار عليه ( .. ) .
ولذلك صار الناس لا يعدُّون الرجل مشركاً حتّى يكذِّب في مسائل الخبر، بأن يردَّ التصديق، فهذا كافر، أما الرجل الذي لم يمتثل الأمر، فهذا عندهم ليس بكافر ..
الآن أغلب الناس في هذا الزمان من مشايخ وجهلة، يعتقدون أن الإيمان فقط هو التصديق، وزادوا على التصديق"زائد القول"، هؤلاء زادوا على التصديق"القول"، لماذا زادوا القول؟ هل لإعتبارهم أن القول من الإيمان، أم هو للدلالة على وجود الإيمان الذي هو التصديق في القلب؟ للدلالة ..
(1) النمل (14) .
(2) انظر (الإيمان الکبير) لابن تيمية ص 222.