إذن، وصلنا إلى هذه النقطة، أن مناط تقدم المسلمين وتأخرهم الحضاري، هو الإيمان، بأي مفهوم؟ بالمفهوم الإرجائي أو بالمفهوم الآن الواضح لدينا؟ بالمفهوم الواضح لدينا، بوجود القدرة وبوجود الإرادة ..
و وصلنا إلى أن الوعود الإلهية أوامر لتحصيل أسبابها والسعي في إدراكها ..
و وصلنا إلى أن لكل نتيجة وفعلٍ، علة مُوجِبة لوقوعه، أي لوقوع هذا الفعل، والحديث عن العلل الأخري، هو صرف العقول عن التفكر في العلة الموجبة، وهذا جهلٌ في دين الله عزوجل ..
تكلمنا عن الإيمان عند أهل السنة والجماعة وشرحناه واضحاً ..
الآن. نأتي إلى الإيمان عند الفرق الأخري:
أولاً: الخوارج. ثانياً: المرجئة. ويقسم القسمين: 1 - غلاة المرجئة 2 - مرجئة الفقهاء .. ثالثاً: الكرامية (وهم من المرجئة، لكن فيه خلاف) .
نحن قلنا: أن عندنا - أهل السنة والجماعة - أولاً: الإيمان قول وعمل ونية، ثانياً: شعب متعددة، ثالثاً: شعبه على مراتب .. رابعاً: يزيد وينقص .. خامساً: الإستثناء في الإيمان [1] .
الآن سنرى بما يوافقنا الناس وبما يخالفنا ..
(1) أهل السنة والجماعة: يرون جواز الاستثناء في الإيمان في أحوال، وذهب إلى هذا جمهور أئمتهم من السلف والخلف أي: قول الإنسان عن نفسه إذا سئل هل (أنت مؤمن؟) فيقول بإجابة ليس فيها ما يوهم الجزم والقطع بكمال الإيمان: (أنا مؤمن إن شاء الله) أو (أرجو .. ) أو نحو ذلك. لأن الذي يقول: إن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص؛ ينبغي عليه إذا قال (أنا مؤمن) أن يستثني؛ لأنه لا يستطيع أن يجزم بأن معه كمال الإيمان، وإن جزم! فقد زكّى نفسه؛ لأن الإيمان شامل للاعتقادات والأقوال والأعمال. وأهل السنة والجماعة: يرون الاستثناء في الإيمان؛ لشدة خوفهم من الله تعالى، وإثباتاً لأقداره، ونفياً لتزكية أنفسهم، لا شكاً فيما يجب عليهم الإيمان به، ولكن خوفاً أن لا يكونوا قاموا بحقائقه، ورجاء أن يأتوا بواجباته وكمالاته. ويمنعون الاستثناء إذا كان على وجه الشك في الإيمان؛ لأن الشك في ذلك كفر؛ بل يقصدون من ذلك: نفي الشك في إيمانهم من جهة، وعدم الجزم بكماله من جهة أخرى. فأهل السنة والجماعة لا يجزمون لأنفسهم بالإيمان المطلق؛ لأن الإيمان يشمل فعل جميع الطاعات، وترك جميع المنهيات، ولن يستطيع أحد أن يدعي لنفسه أنه جاء بذلك كله على التمام والكمال، وإن قال؛ فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين، وأولياء الله الصالحين! وضمّن لنفسه دخول الجنة ابتداءً، وهذا من التألي على الله تعالى - والعياذ بالله - ولا يقولها مسلم عاقل. وهم بعيدون عن تزكية أنفسهم، ولا أعظم للنفس تزكية وراء الشهادة لها بالإيمان الشامل لكل شعبة.