فهرس الكتاب
الصفحة 185 من 224

فلمّا واحد يقول لك: لا، فقط أقمه في قلبك - أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم -، إذن هذا ماهو حقه؟ أن يجعل مرجئياً، لأنه جعل الإيمان فقط التكليف الموجَّه إلى القلب، وجعل الإيمان فقط هو الإرادة، (أقمها في قلبك، تقم لك في الأرض!) ! من يقيمها في الأرض؟ الله!؛ إذن هو يظن أن حركة الحياة تتم فقط بأن الله هو الذي يغير وليس عليكم إلا أن تغيروا قلوبكم، أي أراداتكم، أمّا قدراتكم، مالها ضرورة!! ..

نأتي إلى حالة أخري، أو فهم آخر: قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ, وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ اَلْبَقَرِ, وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ, وَتَرَكْتُمْ اَلْجِهَادَ, سَلَّطَ اَللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) [1] .

لنري!، الآن نتيجة المعصية، هي الذل. ونتيجة الطاعة العزة (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) [2] . إذن هذه - الآية - تكليف بماذا؟ هي تكليف بالإيمان الذي هو طلب العزة - وهو العمل بالطاعات -، .. مسلمٌ يذل نفسه، هذا تارك للإيمان، حتّى هو ليس بالمؤمن الذي يستحق الوعد الإلهي بالعزة ..

الآن! رجلٌ عصى الله بالذِّلَّة، بما حصلت الذلة؟ بترك الجهاد .. - كما في الحديث - ..

الآن، المشكلة الكبيرة، لمّا جئنا قال: لا يرفعه حتّى ترجعوا إلى دينكم. ماهو دينكم هنا؟ ماهو المقصود؟ ما هو السبب الموجب لوقوع بديل الذّلة وهو العزة؟ ما هو؟ الجهاد ..

إذن، التبايع بالعينة وإتباع أذناب البقر، والإنشغال بالتجارة والزراعة - التي كلها حب الدنيا -، هي من أسباب المُمَهِّدة لترك الجهاد، الإنشغال بالتجارة والزراعة، يؤدِّي إلى ترك الجهاد في سبيل الله، وترك الجهاد يؤدِّي إلى الذلة، وهذا واضح بالمفهوم وبالمنطوق من قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ترك قومٌ الجهاد إلّا ذلّوا) .

طيب! ماهو الطريق لذهاب الذلة؟ الجهاد، الذي هو الدين، لا كما يقول البعض:"دينكم"- في الحديث -، يعني أن تصلحوا عقيدتكم ومعرفتكم بالله وعرفانكم، فقط أن يصلح لديكم العلم!، أو"إن ترجعوا إلى دينكم"أي: أن تتركوا الربا، أو .. أو .. ، هذا كله حقٌ، وهو من الدين، ولكن هذا ليس هو السبب الموجب لوقوع الفعل، بل أسباب أخرى مساعدة لهذه، نحن لا نحتقر بهذا، كل شيء له سببه. مثلاً: الربا من آثاره أن يحصل الفقر، لما؟ يحصل الفقر، .."دُولة بين الأغنياء منكم"، يفقر الناس، وتحصل الطبقات، وفي النتيجة الحروب والمشاكل بين الناس ..

إذن رفع الذلة أن تعودوا لدينكم، إذا جاء شيخ وقال:"تعودوا لدينكم"أي: تُصَلُّوا، هل تفسيره صحيح؟ لا، تفسيره غير صحيح، لأنه حين أراد ذلك، أراد أن يصرف الناس عن السبب الموجِب لوقوع الفعل الذي هو العزة، والعزة لا تقع إلا بالجهاد .. ، واضح إخواني؟ ..

(1) صحيح بطرقه. رواه أبو داود (3462) . وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (11) .

(2) المنافقون (8)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام