الناس يقولون: الكفر - كما ترون - عدم طاعة الله. والشرك، أن تشرك هذه الطاعة مع الله، أو تضع شريكاً له في هذه الطاعة، ..
الآن هل تتصور معصية كفر من غير شرك؟ أو هل تتصورون شركاً من غير كفر؟ كيف تتصور هذا؟ لو إنسان زنيا، هل أشرك؟ نحن نقول"إنسان زني، قد كفر"- على المفهوم الذي ذكرناه، أن كل معصيةٍ كفر -. هذا الإنسان قد كفر، الآن هل أشرك؟ نعم .. كيف أشرك؟ إتبع أمر آخر في الزني، وهو هواه، أو إمراةٍ ما، أو واحد دفع له مالٌ، أو .. ، إذن هو لمّا أطاع الله، آمن، ولمّا عصى الله، كفَرَ بأمرٍ من أوامر الله، باتباع أمر آخر قد يكون هواه وقد يكون غيره.
إذن لا يقع الكفر إلا مع الشرك، ولا يقع الشرك إلّا مع الكفر، لابدّ أبداً .. ، لأنه لا يمكن أن يخلو العمل من غير الآمر، إمَّا إمتثلتَ أمر الله، وإمّا امتثلتَ أمر غيره، فإذا إمتثلت أمر الله فأنت آمنت به، وإذا لم تمتثل أمره فقد كفَرتَ حَقَّه وعَمِلتَ بأمرِ غيره، فأنت أشركت ..
الآن، النقطة الثانية: هل أوامر الله واحدة أم أوامر متعددة؟ الصلاة أمرٌ، الزكاة أمرٌ، الحج أمر، التوكل أمر، النظر إلى القرآن أمر، عدم النظر إلى المحرمات أمر وهكذا، فأوامر الله متعددة، وان كل أمرٍ من أوامر الله، هو إيمان، وكل معصيةٍ هي كفرٌ وشرك ..
إذن، أوامر الله عزوجل كثيرةٌ، بمعنى أنه لا يوجد أمرٌ واحدٌ لأوامر الله، قال: إن تفعله، فهو الإيمان - فقط -، ومقابله، هذا الأمر، إن فعلته، هذا هو الكفر - فقط -، ولكن أوامر الله تعالى كثيرةٌ. إذن الإيمان متعدد، لأن كلَّ أمرٍ من أوامر الله، هو الإيمان، وكل فعلٍ من أفعالك ينبغي أن يكون من الإيمان، .. حركة الحياة كلها، زماناً ومكاناً، ..
إذن الإيمان متعدد، كم شعبة؟ شعب الإيمان، أصلاً، هي كلُّ أمرٍ من أوامر الله، كلُّ أمرٍ من أوامر الله، هو إيمان. وهو جميع حركات الإنسان، كما جمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة) [1] ، فكل أمر من أوامر الله عزوجل هو من الإيمان، أي كل طاعة إيمان. إذن فهمنا مقابلة، وهو الكفر .. ، فالكفر أيضاً متعدد، وكل معصية من المعاصي، هو من شعب الكفر.
ثالثاً: مادام أن الإيمان متعدد بعدد أوامر الله، والكفر متعدد بعدد المعاصي ..
(1) حديث (متفق عليه) . رواه البخاري في کتاب الإيمان رقم (9) . ومسلم في کتاب الإيمان من صحيحه رقم (50) .
يقول الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (کتاب الإيمان من فتح الباري شرح صحيح البخاري) ص 25 - 24:"فان قيل: فأهل الحديث والسنة عندهم ان کل طاعة فهي داخلة في الإيمان، سواء کانت من أعمال الجوارح او القلوب او من الاقوال، وسواء في ذلک الفرائض والنوافل، هذا قول الجمهور الاعظم منهم، وحينئذٍ فهذا لا ينحصر في بضع وسبعين، بل يزيد علي ذلک زيادة کثيرة، بل هي غير منحصرة. قيل: يمکن ان يجاب عن هذا بأجوبة-فذکر أربعة أجوبة منها: ان تکون خصال الإيمان کلها تنحصر في بضع وسبعين نوعاً، وان کان افراد کل نوع تتعدد کثيراً، وربما کان بعضها لا ينحصر. وهذا اشبه .. وان کان الوقوف علي ذلک يعسرأ ويعتذر .."1 ه.