هو لماذا يسأل هذا السؤال؟ لماذا؟ لأنه لا يتصور أن ينتصر الإسلام بهذا الواقع، كأنّ الإسلام ينتصر إذا كان فيه السيف، وفي البارود، فلا! ..
ثم هؤلاء الذين يقولون - هذا لابدّ أن ننتبه له -، هؤلاء الذين يقولون، حتّى الذين يقولون، أننا بحاجة إلى حضارة الغرب في بناءها المادي، هؤلاء، لأنهم مقنعون بأن الإسلام في ذاته لا يشكل عقلية عملية تبنى مجتمعاً مسلماً قادراً على إنفاذ التقدم العلمي في شئون الحياة .. لو سألت رجلاً: هل في ذات الإسلام، القوة الذاتية على أن تنشيء إنساناً حضارياً، ويبنى بناء أمة مدنيةٍ بمعنى هذا الذي موجود الآن، من الصناعة وغيرها؟ هل في الإسلام ذلك؟
سيكون الجواب - قطعاً - لا. الإسلام فقط يقدِّم لك أن تعبد ربك، يقدِّم لك شئون الآخرة وتشريعات الحياة، أما أن تنشيء مسلماً يفهم سنن الكون ويتعامل معها ويكتشفها ليستخدمها ويصوِّر شئون الحياة موافقةً للسنة، لا يتصوَّر أنَّ في ذات الإسلام، هذه القدرة، لا يتصور ..
وهذا سنتكلم عليه في توحيد القدر، سنتكلم عليه، توحيد الإسلام، توحيد الشرع والقيم، وتوحيد القدر، .. توحيد القدر الذي يجعل المسلم مُبدِعاً .. الإسلام بذاته هو الذي يبدِع، هو الذي يصنَعُ الإنسان المبدع، .. دنيا وأخري .. فلسنا بحاجة إلى غيره، في تشكيل شخصية المسلم .. لا نحتاج إلى غيره ..
هذه كلها نقاط ضعفٍ لدينا، نشعرها في هذا الزمان، وتعيشها الحركات وتعيشها الشعوب، ويعيشها الناس، .. كلها تدل على إنهزامية الشخصية الإسلامية، وهي ليست إسلامية لاشية فيها، بل مليئةٌ بالشوائب، مليئةٌ بالدخن، فيها العوار الكثير الذي أدّى بنا إلى ما نحن فيه الآن ..
سؤال، سننتهي به أمر المعتزلة،"لماذا أنتصرنا على المعتزلة"؟ وبعد ذلك سنتكلم لماذا هزمنا أمام"الثالوث النَّتن"وهو"الإرجاء، الجبر، التصوف".. لماذا هزم فكر المعتزلة؟
هناك أسباب خاصة بالمعتزلة، وهناك أسباب كانت في داخل أمتنا ..
نتكلم عن الأسباب التي كانت عندنا التي منعتنا من أن ننهزم أمام المعتزلة .. لأن الأنهزام يكون بالعاملين:"بالعامل الخارجى والعمل الداخلى". والنصر يتم بأمرين:"بقوَّتك، وبضعف الخصم".. إذا كنت أنت قوياً، ولكن غيرك أقوى منك، هل تنتصر؟ لا تنتصر. ولو كان غيرك قوياً، وأنت أقوى منه، هل تنهزم؟ لا .. فإذن، لما هُزم فكر المعتزلة، من الذي هزمه؟ نحن، فماذا كان الذي عندنا، حتّى هزمنا المعتزلة، وماذا كان الذي عندهم من الضعف حتّى هُزموا؟ أولاً: ماذا كان عندنا؟ أولاً: نضارة النص النبوي وقوته. تعرفون أن فكر المعتزلة، فكرٌ في ظهوره في أمتنا، ظهورٌ متقدِّم، يعني ظهر بداية الدولة الأموية وفي ذلك الوقت، ما زالت أمتنا، بقوتها وشبابها، حركة الإسلام ما زالت دافقة وقوية ومقدِّمة إلى الإمام، ولكن ليست متوقفة، لأن التوقف يعادل ماذا؟ يعادل التراجع. الوقوف هو التراجع .. [1]
(1) قال تعالي: (لمن شاءمنکم أن يتقدم أو يتأخر) . المدثر 37.