فهرس الكتاب
الصفحة 199 من 224

ذنبٍ"، لأن الخوارج قال: «أيُّ ذنبٍ يكفِّر» . لكن نحن عندنا هناك ذنوبٌ مكفرة وهناك ذنوب غير مكفرة."

هذه القضية علينا إن شاءالله أن نفهمها ونستوعبها، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بها ..

مرجئة الفقهاء هي أول فكر إرجائي ظهر في الأمة، لا أريد أن أستغرق فيه، لأن الكلام عليه يطول، أول هذا الفكر ظهر من رجلٍ وهو شيخ وأستاذ الإمام أبي حنيفة رحمه الله، إسمه"حماد بن أبي سليمان"، وتلميذه أبوحنيفة. هؤلاء قالوا: «الإيمان هو عمل القلب وقول اللسان» . - بماذا يتفاضل الناس؟ - بالأعمال، وللأسف، متن العقيدة الطحاوية من هذا الفكر، - والآن لا أريد أن أُفَصِّل كثيراً -. إذن الناس عندهم يتساوون، لأن عمل القلب وقول اللسان مرتبة واحدة، والتفاضل يكون بالأعمال، مراتب الجنة بالأعمال. لكن أصل الإيمان في الناس واحد ..

بعض أهل السنة جاؤوا وقالوا: أن هذا الخلاف بين أهل السنة وبين هؤلاء في الموضوع الذي ذكرناه، خلاف لفظي [1] . لكن الحقيقة أنه ليس لفظياً، نستطيع أن نقول: الخلاف لفظي إذا كانت ثمار القولين واحدة، لكن ثمار القولين ليس واحدة، ثمار هذا القول غير ثمار قول أهل السنة والجماعة، وأثر هذا القول غير أثر قول أهل السنة والجماعة ..

على قول مرجئة الفقهاء، واحد يسُبُّ الدين، هل هو كافر عندهم؟ هو كافرٌ. لكن هل كفَرَ بهذا العمل أم كفر لأنه إنتقض عمل القلب؟ كفر لأنه إنتقض عمل القلب. هذا واحد، والشيء الثاني: عند هؤلاء القوم، لو أن رجلاً ترك جميع الأعمال فهل يضر إيمانه؟ إنما يذهب التفاوت ..

فلذلك، آثار هذا القول في الحقيقة، هي نفس، أو قريبةٌ جداً من آثار قول المرجئة الآخرين، لكن هؤلاء القوم، كانوا يهتمون كثيراً بموضوع العمل. يعني ليس كما قَصَّر المتأخرون من المرجئة. المرجئة صار يترك كثيراً من الأعمال، لكنَّ هؤلاء في الأعمال مثل أهل السنة، حالهم حال أهل السنة في إقبالهم على الطاعات وتركهم المعاصي. بل وَجَدنا شيئاً آخر، لمّا كان هؤلاء القوم وهم الأحناف، مُتَّهمين بالإرجاء - وهذا حق -، فتوسَّعوا في باب التكفير والمكفِّرات، لرد هذه التهمة، ولذلك، أَوسَعُ الناس في باب المكفِّرات، هم الحنفية. لماذا؟ ربما يكون سبب هذا، حتّى ينفوا عن أنفسهم تهمة الارجاء. والله اعلم.

والكلام فيهم يطول، ومن أراد التوسع يجدها في كتبهم ..

يكفينا إلى هنا، ونسأل الله عزوجل أن نكون قد وُفِّقنا في شرح مبادئ أهل السنة والجماعة ومفاهيمهم في هذا الموضوع المهم جداً، وشيئاً يسيراً من فرق أهل البدع، حتّى تحذروا منهم ولا تقعوا في أخطائهم إن شاء الله.

(1) انظر (مجموع الفتاوي، لابن تيمية 7/ 394) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام