ثانياً: بما يسمى بدلالة العبارة. دلالة العبارة مثل: قال النبي صلى الله عليه وسلم:"قتال المسلم كفرٌ". فنحن علمنا من قوله سبحانه وتعالي: (و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) [1] ، فسمى الطائفتين، مؤمنتين، وهما متقاتلتان .. فبدلالة العبارة الأخرى يتبين لنا، أن هذا كفرٌ أصغر ..
ثالثاً: إذا جاء الكفر معرَّفاً بـ"ال"، فهو كفر أكبر. ومن هنا فإنّ دليل العلماء على أن"ترك الصلاة"كفر أكبر، قوله صلى الله عليه وسلم:"بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة". [2]
رابعاً: لا يوجد كفرٌ أصغر في القرآن، وإنما يعرف الكفر الأصغر في السنة .. ونعرف الكفر الأصغر في السنة بماذا؟ بالقرآن - أو النصوص الأخرى من السنة -، من خلال رجوعنا إلى سائر النصوص في الكتاب والسنة نستطيع أن نعرف هل هذا الكفر الوارد في السنة، كفر أصغر أو أكبر. مثل المثال الذي ضربناه لكم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ..
إذن بهذه الطرق، نستطيع أن نفرِّق بين الكفر الأكبر وبين الكفر الأصغر ..
هل ما علمناه أنه كفر أصغر، ممكن أن يحمل على الكفر الأكبر؟
أي: إمكانية حمل الأحاديث التي قال عنها العلماء، بأنها كفر أصغر، ممكن حملها على الكفر الأكبر؟ مثل"الحلف بغير الله"."من حلف بغير الله فقد أشرك". الآن، ممكن حمل الشرك أو الكفر في هذا الحديث على الكفر الأكبر؟ نعم. من حلف بغير الله، مُعَظِّماً هذا الغير، بمقدار تعظيمه لله تعالي، أو أكثر .. ، وللأسف يقع في هذا كثير من المنتسبين للإسلام. حيث تقول له:"والله"، فلا يهتم ولا يرى شيئاً، لكن يقول"وقبر سيدنا بدوي"أو .. ، فيعتقد أن هذا الحلف مما ينبغي أن يصَدَّق فيه الحالف، أما إذا حلف بالله .. ، الحقيقة، هذا كفرٌ أكبر مخرج من الملة، لأنه يرى للمحلوف به تعظيماً أكبر من تعظيمه لله، لأن المقصود بالمحلوف به، التعظيم، وتوثيق اليمين، فإذا حلف الرجل بعظيم - عند من حلف له - وَثَّقه، فإذا حلف الرجل بالله، ولم يوَثَّق هذا اليمين بمقدار حلفه بغير الله، فقد رأى غير الله، أفضل وأعظم منه - العياذ بالله -. وهذا كفر أكبر ..
إذن ممكن حمل هذه الأحاديث على معنى الكفر الأكبر ..
مثالٌ آخر: النفاق، قوله صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق، ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) [3] .، فهل هذا النفاق، ممكن حمله على النفاق المخرج من الملة؟ نعم. كيف؟ أن يكذب في كل ما يحدِّث به، يعني كلما حدَّث كذب، لمّا يفتح فمه ليتحدث، كذب، فسيفتح فمه ليقول"أشهد أن لا إله إلا الله .."وهو كاذب، فهذا كفرٌ مخرجٌ من الملة ..
(1) الحجرات (9) .
(2) رواه أبو داود (4058) والترمذي (2543) وقال حديث حسن صحيح.
(3) متفق عليه.