بهذا نصل إلى نقطةٍ مميزةٍ عند أهل السنة والجماعة، وهو ما يسمى عند أهل السنة، بكفر المئآل. وصورته كالتالي: رأينا في المثال السابق، أن المرء إذا حدث وكذب كذبة واحدة، فهو بهذا، كفر كفراً أصغر، ثم إذا حدث فكذب كذبة ثانية، كفر كفراً أصغر مرة أخري، فهذا كفرٌ يزيد عنده الكفر، حتّى إذا إستغرق جميع حديثه، صار كافراً كفراً أكبر فهذا الكفر الأصغر، هو طريقةٌ تُبْعِدُه من الإيمان وتُقَرِّبه من الكفر، حتّى تصل به إلى الكفر الأكبر - في النهاية - ..
إذن عندنا هنا، حدَّين، حَدُّ الإيمان الكامل وحدُّ الكفر. الرجل قد يعمل كفراً واحداً - أي من الكفر الأصغر -، هذه المرتبة، هو الإيمان الناقص - أي ناقص الواجب لا ناقص المستحب -، فرجلٌ كفر كفراً أصغر، كفر كفراً أصغر، كفر كفراً أصغر حتّى يصل إلى الكفر الأكبر في النهاية. كما قال العلماء -"المعاصي بريد الكفر". قد يصل إلى حالة، بحيث أن هذه المعاصي تجتمع لديه، فقد يكون الرجل مسلماً في حياته، ولكن عند الموت يكفر، وهذا الذي يسمى بكفر المئآل. بمعني: هو مسلم الآن، لكن آل أمره إلى الكفر حين موته، لأنه إجتمعت لديه معصية وراء معصية .. ومن هنا، فان المعصية الواحدة عند الصحابي تعتبر بريد الكفر، أو تعتبر خطوةً نحو الكفر .. ولكن المسلم المعاصر، لا يرى المعصية شيئاً، لأنه لا يراها كفراً ..
وكفر المئآل، إما يقع في الدنيا قبل الموت، وإما يقع عند الموت - نسأل الله العافية -. وهذا الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الشيطان يأتي إليه، فيعرض عليه الكفر. ولا يصل إلى مقصده ولا يرضى عنك أن تزني وأنت تموت وأنت الزاني، فتكون معرَّضاً إلى رحمة الله، ولا يرضى منك فقط أن تسرق .. ، بل يريد منك، الوصول معه إلى جهنم، فهو يمَهِّد لك في الدنيا، لا يقول لك - من الإبتداء - أُكفر، لكن يمهِّد لك المعاصي، معصية وراء معصية، وأنت مغرور بأنك مسلم، ولكن تعصي وتعصي، حتّى في النهاية تصبح إلى حدّ الكفر، نسأل الله العفو والعافية ..
*قلنا أن التوحيد الألوهية، {نسك، وولاء وبراء، وقضاء وتشريع} . فإنّ كلّ واحدةٍ من هذه، تحتوى على أعمالٍ، هي من أركان الإيمان، وتركها كفرٌ أكبر، وتحتوي على أعمال هي من واجبات الإيمان وتركها كفر أصغر، وتحتوي على أعمالٍ هي من الإيمان المستحب ..
لا يقول أحد، أن النسك تركه يؤدي إلى الكفر الأكبر، ولا يقول أحد أن الولاء والبراء، تركه هو الكفر الأكبر، وبقية الأمور هي كفرٌ أصغر، ولا يقول أحد أن القضاء والتشريع، تركه كفرٌ أكبر، وغيره كفر أصغر .. ، لا، بل إن كل واحدةٍ من هذه"النسك، الولاء والبراء، القضاء والتشريع"، فيها من الأحكام، ماهو تركه كفرٌ أكبر، وكذلك فيها من الأحكام ما هو تركه كفرٌ أصغر ..
يعني، لا نقول: النسك هو الركن، والولاء والبراء هو الواجب. لا!، في النسك، ما هو أركان وما هو واجبات، وفي الولاء والبراء، ما هو أركان وما هو واجبات وفي القضاء والتشريع ما هو أركان وفيه ما هو الواجب .. ، لكن رجلٌ ترك جميع أعمال النسك، ما حكمه؟ الكفر. ورجلٌ ترك جميع أحكام الولاء والبراء، حكمه الكفر لأكبر، وكذلك رجلٌ ترك جميع أحكام القضاء والتشريع، فإنه كافرٌ الكفر الأكبر ..