فهرس الكتاب
الصفحة 189 من 224

فهؤلاء زادوا القول لأن التصديق، أمر قلبي ولا يمكن أن نعرفه، فكيف نعرف التصديق القلبي؟ - قالوا - من خلال قول الرجل"لا إله إلا الله محمد رسول الله".. فليس زائد القول، لأن القول عندهم هو الإيمان، ولكن للدلالة على وجود الإيمان في القلب.

وليس هو عملٌ من أعمال القلب، ولا هو من الإيمان .. فهمتم؟! ..

كلمة الإعتقاد، أنا أعتبرها من بدع القول التي إنتشرت في تاريخ أمتنا، لكن نضطر لإستخدامها كثيراً، لأنها صار وَقْعاً معيناً في عقول الناس ..

فهؤلاء القوم، لا يرون. إلّا كفراً واحداً، الذي يضاد التصديق وهو التكذيب.

هل يرون الإعراض والتولِّي كفراً؟ لا يرونه كفراً، ولا يرون إلا كفر التكذيب، إذا جاء خبرٌ من عند الله، فرَدَّ الخبر على الله، فهو كافر ..

ومن الأخبار التي جاءتنا عن الله، أنه سبحانه واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، فهم لا يرون إلا كفر الربوبية. بحيث لو قال واحدٌ هناك خالقين وهي الظلمة والنور، فهذا كافر عندهم. لكن واحد دَعيا غير الله واستغاث بغير الله مع إعتقاده أنه لا ينفع ولا يضر إلا واحد، فهل هذا كافرٌ عندهم؟ لا. لأنه لم يكذِّب مسائل التصديق. ومسائل الألوهية هي حق الله بالعمل وأرادتنا، التي هي توحيد الله بأفعالنا، فهذا لا يرونه كفراً، يرونه من المعاصي ..

الآن سنرى ماذا أثمرت هذه الأمور في واقعنا من الشر .. هذا موجود كله في عقول الناس ..

لماذا النصارى كفار عندهم؟ فقط لأنهم قالوا المسيح ابن الله، لأنهم نسبوا لله عزوجل ولداً، والأصل أن لا يكون لله ولداً، فهذا كفرٌ في أسماء الله وصفاته أنه (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) ، فالنصارى كفار عندهم، فقط لأنهم قالوا:"ان لله تعالى ولداً". اليهود لماذا؟ لأنهم قالوا عزير ابن الله، ولماذا كفَّروا المجوس؟ لأنهم قالوا بإلاهين الظلمة والنور، ولماذا كفر مشركوا قريش؟ لأنهم اعتقدوا أن هناك ارباباً غير الله .. لكن القرآن يكذِّب هذا الشيء، القرآن يدلُّ على أن كفار قريش كانوا يعتقدون أنه لا ربَّ في الكون إلا الله، لكن أين كان كفرهم؟ في صرفهم أعمال العبادة لغير الله. كانوا يدعون غير الله مع إعتقادهم أنه لا رب ولا خالق إلا الله. وكانوا يسجدون لغير الله مع إعتقادهم أن الله الإله الأعظم الذي يستحق العبادة والسجود و .. ولكن يسجدون لغير الله ليقربوهم إلى الله زلفي، واسطة بينهم وبين الله. ولذلك مثلاً من دلائل أن هؤلاء القوم - أي: مشركي قريش - كانوا يعتقدون بتوحيد الربوبية ويعتقدون بوجود الله ويعتقدون بقوته وعظمته، انظروا إلى دعاء أو إلى أبيات الشعر التي قالها عبد المطلب، جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم، عندما جاء أبرهة الحبشي من أجل أن يغزو الكعبة، ماذا قال عبدالمطلب؟ عندما ذهب إلى أبرهة، قال له أبرهة:"ماذا تطلب مني"، قال عبدالمطلب:"أيها الملك! إنك قد أصبت لي مالاً عظيماً، فاردده عليَّ"، فقال له أبرهة:"لقد أعجبتنى حين رأيتك، ولقد زهدتُ فيك". قال:"ولم؟"قال أبرهة:"جئتُ إلى بيتٍ هو دينُك ودينُ آبائك، وعصمتُكم، ومنعتُكم؛ لأهدمه، فلم تكلِّمني فيه، وتكلِّمني في مئتي بعير لك"؟! قال عبدالمطلب:"أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه ..". إذن هو يعتقد بوجوب الرب الذي يحمي البيت. فيعتقد بربوبية الله. بل لما رجع من عند أبرهة وتعلق بأستار الكعبة وحِلقها، وقال:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام