"لاهمَّ إنَّ العبد يمْنَعُ رَحْلَه فامْنَع حِلالك"
لا يغلبَنَّ صليبُهم ومِحَالهم غَدْواً مِحَالك". [1] "
"لاهمَّ"، يعني اللهم، إذن هو معتقد أنه لن يغلب الصليب، لأن الله أقوى منه، وهو يعتقد أنه ليس هناك قوياً إلا الله، وكل قوة في الدنيا هو مستمدة من الله سبحانه وتعالي .. [2]
إذن هذا الكفر الذي يسمى كفر الإعتقاد، .. أول كفرٍ وقع في الدنيا، هل هي متعلقة بردِّ خبر السماء أم بردِّ أمر السماء؟ أول كفر وقع ماهو؟ كفر إبليس. هل قال لله، أن هذا خبرٌ لا أصَدِّقه؟ بل كان يعتقد بتعظيم الله ولذلك أقسم لله على أمر أراد أن يوَثِّقه بقوله (فبعزَّتك) ، فهو مازال يعتقد أن الله عزيز، قال: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) [3] . إذن هو مازال يؤمن بعزة الله، ويثبت لله العزة، وكذلك هو يؤمن بيوم الدّين، منها قوله: (أنظرني إلى يوم يبعثون) [4] . إذن هو يعتقد بيوم البعث ..
إذن قضية تصديق الأخبار، ليست هو أول معصية وقعت في البشرية، بل أول كفر وقع في تاريخ بشريتنا، الكفر الذي وقع من إبليس وهو في مسائل إمتثال الأمر، ولذلك هذه من المسائل التي حاجج فيها أهل السنة أهل البدع، فقالوا: لا، ولكن كفر إبليس هو ردُّ أمر الله لأنه مكذِّب لخبر الله، جعلوا ردّ الأمر، دليلاً على عدم تصديق الخبر. من أين هذا الكلام؟ كل الدلائل التي في القرآن تدل على أن إبليس كان يصدق خبر الله وخبر السماء ..
إذن الكفر الذي قاتل عليه الأنبياء الناس، وكفِّر به الأمة، أيُّ كفر؟ هل هو كفر الربوبية أم الألوهية؟ كفر الالوهية، توحيد الله بأفعالنا ..
هذه القضايا الإعتقادية المعرفية التي هي جزء من الإيمان ومتعلق بها التصديق، هذه القضايا ليست هي قضايا التي حارب عليها الأنبياء، وليس هي التي من أجلها، جُرِّدت السيوف، ولا من أجلها أقيمت الجنة ولا من أجلها أقيمت النار، إنما التوحيد الذي أقيم من أجله دين الله عزوجل هو مسائل الألوهية، أنت توحيدك لله من خلال إرادتك وعملك، أما أن تثبت لله توحيده أن الله واحد في ذاته، واحد في أسمائه، واحد في صفاته، فليس فقط هذا هو التوحيد الذي مطلوب من الإنسان، بل هو من أجل أن يبَين به توحيد الألوهية. يعني الله عزوجل يقول لك:"أنا الذي أمنعك - بمعنى أحميك - فلماذا تتوكل على غيرى"؟ واضح؟! فإذن توحيد الربوبية أُقيم من أجل، أنه دليلٌ لتوحيد الإلهية .. ، هذه القضية، فهمناها؟ ..
(1) انظر"السيرة النبوية"لابن هشام، مع شرح أبي ذر الخُشني (1/ 84 - 91) . وانظر السيرة النبوية للصلابي (1/ 45 - 46) . قال ابن الأثير في"النهاية":"فامنع حِلالک: الحِلال: القوم المقيمون المتجاورون، يريد بهم سکان الحرم"1 ه. ومعني (لا يغلبن صليبهم .. محالک) : أي: لا يغلبن مکرهم مکرک. {الزاهر في معاني کلمات الناس لابن الأنباري 1/ص 10} .
(2) ومع کل هذا، کان عبدالمطلب علي دين الشرک والکفر، ولم يکن مسلماً حنيفاً، والدليل علي هذا، حديث وفاة أبي طالب. الذي ذکر فيه، أنأباطالب لم يؤمن وقال في آخر ما قال قبل موته {هو علي ملة عبدالمطلب} ! فمات مشرکاً کافراً!. وهذا يدل علي أنّ ملة عبدالمطلب ملة کفر وشرک. {والحديث متفق عليه} .
(3) ص (82)
(4) الاعراف (14)