فهرس الكتاب
الصفحة 48 من 224

الإمام هو الذي فَسد! مَن الذي يرد الناس، لألّا يصبحوا أهل الفساد وإن كان إماماً، مَن؟ أهل الحق. ولو اجتمعوا على الحق الذي فُشي خلافه أو أنتشر خلافه، وبايعوا عليه، فإن البيعات على مسائل من مسائل الحق جائزة حتّى مع وجود الخلافة [1] ، - ليس بيعة الإمام، لأن بيعة إمام آخر جديد، فهذا معصية (إذا جاءكم أحد وأنتم جميعاً على أمر واحد فاضربوا رأسه كائناً من كان) ، هذا لايجوز أن يبايع بيعة الخلافة - لكن بيعة وعقد وعهد وإجتماع على أمر قصّر فيه الخلافة، أو قالت بخلافه، وعصت الله فيه، ولم تخرج من كونها جماعة المسلمين .. ، هل يجوز إجتماع هذه الجماعة والبيعة فيما بينهم وائتلاف فيما بينهم؟ هل يجوز؟ هل حدث هذا في التاريخ الإسلامي؟ نعم حدث كثيراً، بيعات كثيرة قامت على أمورٍ حقة، عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، كان الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، وامير الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه، كاد أن يكشَف جيش المسلمين، عكرمة دعا الناس: من يبايع على الموت؟ فبايعوا على أمر حقٍ، سواءٌ قصّر فيه الجيش أو قصّر فيه جماعة المسلمين، وهو البيعة على الموت ليردوا كفر الكفار وهجمتهم على المسلمين، وتبايعوا على هذا العمل الصالح [2] ..

إذَن العهود على عملٍ صالح ضمن جماعة المسلمين على أمر حقٍ، سواء قصرت فيه الجماعة الكبيرة أو قالت بخلافه، فإن هذا الأمر، أمر مشروع وجائز وقد يصل إلى درجة الوجوب ..

و أفضل مثالٍ بين أيدينا، ومدحه الأئمة الكبار، هو بيعة أحمد بن نصرالخزاعى رحمه الله سنة 231 ه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عموماً [3] . هذا الرجل كان في زمن الإمام أحمد، في زمن الدولة العباسية. الخلافة ضعفت، أصاب فيها الضعف، خاصةً في البغداد، وأنتشر في البغداد الأشرار والقطاع الطرق واللصوص، وعاونهم على ذلك بعض الشرفاء، يعني بعض الناس المنطوين تحت الخلافة، قد قصّروا في القيام بمثل هذا الواجب، بل قد صاروا مثلهم والتحقوا بهؤلاء الأشرار يعاونوهم ويتستر عليهم، وهذا"أحمد بن النصر الخزاعى"، رحمه الله إمام من أئمة الحديث، إمامٌ كبير من أئمة الحديث، وكان له فضلٌ آخر سوى أنه عالم من علماء المسلمين، أنه كان ابن شيخ عشيرة، يعني أبوه كان رجلٌ له القبول بين قومه .. فلما رأى هذا العالم فساد الدولة في التقصير في هذا الحق، جمع تلاميذه وجمع أقاربه وجيرانه وبايعهم بيعةً مذكورة في تاريخ الإمام الطبرى عليه رحمة الله والبداية والنهاية لابن كثير رحمه الله، بايعهم على أن يقوموا بالحق الذي قصّرت فيه الدولة وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بايعهم على أن يقابلوا جميع قطاع الطرق واللصوص في داخل البغداد وقام بهذا الحق خير قيام، فلما قضى على اللصوص، خاف الخليفة في ذلك الزمان أن يكون هذا الرجل طالباً للملك فأخذه وسجنه وقتله، مات هناك في السجن .. والإمام أحمد رحمه الله مدح فعله، ولم يذكر في التاريخ أن عالماً عاب عليه ..

(1) انظر کتاب (العمدة في اعداد العدة) للشيخ عبدالقادر بن عبدالعزيز (باب: الرد علي شبهة متعلقة بالعهود) .

(2) انظر البداية والنهاية 7/ 11.

(3) انظر البداية والنهاية (10/ 304 و 303) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام