حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصلِ شجرةٍ حتّى يدرِكك الموتُ وأنت على ذلك) . [1] هذه الفرقة التي نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة أن يعمل معها وأن يدخل فيها، ما هي هذه الفِرق، هل هي فِرق بدعية؟ أى فرقٍ؟ فنُقرِّر، أو نمشي مع هذا الحديث مشياً ليتضح لنا وضوحاً صحيحاً، سليماً.
الآن أول نقطة، لنجمع بين الحديثين، حديث أهل السنة والجماعة (ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وبين حديث (فاعتزل تلك الفرق كلها) ، لأن هذا الحديث (ما أنا عليه اليوم وأصحابي) هل يمنعك يا مسلم - بل هو يأمرك - هل يمنعك يا مسلم أن تكون من أهل الحق؟ هو يدعوك في أي حالٍ أن تكون مع أهل الحق، فالجماعة الذين يلتقون على الحق، ويقومون بشأنه، هؤلاء يكونون بوقت وجود الإمام وبعدم وجوده.
الآن الجماعات المسلمة التي جمعت ميزات أهل السنة والجماعة، ولم تجمع البدع، لم يكن فيها جبرية وليس فيها إرجاء .. الجماعة تقوم لتنشر السنة التي أميتت في بلدٍ من البلاد، أو تحيى حقاً أماته الناس في منطقةٍ من المناطق. فهذه الجماعة من أي فرقةٍ تكون؟ من أهل الحق. وإجتماعها على الأمير، هذا جائزٌ بل هو واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلّا أمروا عليهم أحدهم) . [2] أو (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا عليهم أحدهم) [3] .
فالإمارة لمجرد الإجتماع، أيُّ جماعة .. ، عليهم أن يؤمِّروا عليهم أحدهم ..
إخوتي! إنتبهوا لهذه النقطة، لأنها إن غابت عن أذهانكم غابت أمورٌ كثيرة: الجماعة الكبيرة جماعةٌ تشتمل أى قسمٍ آخر، هناك أميرٌ وله جماعة المسلمين، كل المسلمين الذين تحته، سواءٌ كانوا من أهل الشوكة أو من غير أهل الشوكة فأي مسلم تحته والمبايع له، من النساء والأطفال والرجال، هم من جماعة المسلمين بالمفهوم الثاني - أي أنهم منطوون تحت هذه الراية - ..
الآن لو عجزت هذه الجماعة أو قصرت - وقد تقصر - عن القيام ببعض الحق، مَن الذي يجبر هذا الحق؟ أهل الحق، الذين هم القسم الآخر الذي كان العلماء في ذاك الزمان يتحدثون عنه مع وجود الخلافة، كان علماؤنا كإبن مسعود رضي الله عنه، كالإمام البخارى والإمام أحمد وغيرهم، عندما يتحدثون عن الجماعة يتحدثون عنها مع وجود الخلافة، ليكون هناك أهل حقٍ، يثبتوا عليه إذا قصَّرت الدولة به، وإذا نَسِيتْه، أو قال بخلافه، بمعنى لو أن الخليفة صار من أهل البدع، كما كان المأمون، وقال قولةً مبتدعة كقول المأمون بخلق القرآن، من الذي يرُدُّ الأمة أن تسير في هذا الضلال، من الذي يردهم؟ أهل الحق ..
(1) أخرجه البخاري، باب علامات النبوة في الإسلام (3338) ، ومسلم، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي کل حال (3434) . وسيأتي الحديث تماماً.
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند عن عبدالله بن عمرو (6360) .
(3) أخرجه أبوداوود (2608) وهو حديث حسن وحسنه الألباني.