فهرس الكتاب
الصفحة 28 من 224

سنفسر، ما هي السنة وسنفسر ما هي الجماعة عند الأوائل ونرى ما نحن محتاجين إليه في زماننا هذا، لهذا اللفظ العظيم الجامع"ما أنا عليه اليوم وأصحابي".

الآن - فقط للذكر فيما أُنبه عليه - أن كلمة"اليوم"هو ضابطٌ وشرطٌ، قوله صلى الله عليه وسلم"ما انا عليه اليوم"يدل على أن إكتمال الدين هي التي تأخذ به الفرقة الناجية، لأن الفرقة الناجية إذا أخذت بأي مرحلةٍ من مراحل الإسلام قبل بلوغه وإكتماله، لاتستحق أن تسمى فرقة ناجية، لو أن رجلاً قال: المطلوب من الناس - مثلاً - أول دعوة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهو أنه قال للناس"قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله"..

فلو أن رجلاً قال المقصور على طلب الناس في هذا الزمان، هو فقط أن يقولوا"لا إله إلا الله محمد رسول الله"وأما بعد ذلك من الشرائع المطلوبة، فهي ليست مطلوبة منهم، فهذا ماذا يكون؟ يكون كافراً.

روى الإمام الآجرى رحمه الله (م 360 ه) في كتابه (الشريعة) عن الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله (م 198 ه) - و هو إمام عظيم - من طريق محمدبن عبدالملك المصيصى أبو عبدالله قال:"كنا عند سفيان بن عيينة في سنة سبعين ومائة، فسأله رجل عن الإيمان؟ فقال: قولٌ وعملٌ، قال: يزيد ماشاءالله، وينقص حتّى لايبقى منه مثل هذه - و أشار سفيان بيده -، قال الرجل: كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل؟ قال سفيان: كان القول قولهم قبل أن تقرر أحكام الإيمان وحدوده، إن الله عزوجل بعث نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كلهم كافة أن يقولوا: لا إله إلا الله وأنه رسول الله، فلما قالوها، عصموا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله عزوجل، فلما علم الله عزوجل صدق ذلك من قلوبهم، أمره أن يأمرهم بالصلاة، فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا مانفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله عزوجل صدق ذلك من قلوبهم، أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة، فأمرهم ففعلوا، فوالله لو لم يفعلوا مانفعهم الإقرار الأول ولاصلاتهم .. الخ [1] . - يقول الشيخ أبوقتادة: - بعد ذلك جعل يعدد شرائع الإسلام شريعة شريعةً، ليقول أن كل شريعة جاءت، لو لم تقبل من قبل هؤلاء الصحابة لما عُدَّ الرجل مؤمناً .."

إذن قوله صلى الله عليه وسلم"اليوم"هو ضابط للفرقة الناجية، لأنه قد يأتي رجل ويقول في مسألة من مسائل الدين بما كان قبل إكتمال الشريعة، واضح إخواني؟ فهذا لا يستحق أن يسمى مِن أهل السنة والجماعة، وأكبر دليل على هذا، عمل أبي بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم، في مواجهة أهل الردة .. لأنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إرتد الناس، ولم يبقى من أهل الإسلام إلا بعض المناطق، مكة، المدينة، الطائف، اليمن وأطراف بحرين، فقط هذه الأماكن أليسيرة التي ربما لم يصل خبرها إلى أبي بكر رضي الله عنه، ربما أهل بحرين ويمن لم يصل إلى أبي بكر خبرهم على أنهم ارتدوا أم لم يرتدوا، فارتد الناس، على ماذا ارتدوا؟ بعضهم ارتد كاملاً عن الدين، وبعضهم ارتد ولغى أصل النبوة وأصل الإسلام وأصل الدين، وبعضهم ارتد ردةً جزئيةً، وهذه الردة الجزئية كذلك كانت في مراتب،

(1) "الشريعة"للإمام الآجري ص 99. باب تعريف معرفة الإيمان والإسلام وشرائع الدين. وللامام أبوعبيد القاسم بن سلام رحمه الله (157 - 224 ه) کلام مفيد في هذا الموضوع؛ شبيه بهذا القول للامام ابن عيينه رحمه الله. موجود - هذا الکلام - في کتابه الإيمان ص 54 وما بعدها {طبع الدار الارقام بالکويت .. 1405 ه، بتحقيق الألباني} . راجعه فانه مفيد جداً.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام