الآن،"الجنة"، عينية موجودة، ولكن غائبةٌ عنا، يريد الله عزوجل أن يعرِّفنا إياها، فقال لنا: في الجنة الرُّمَّان .. ، نحن نعرف إبتداءً رُمَّان الدنيا، لا رُمَّان الجنة .. وهل رُمَّان الجنة، حقيقة إسمه رمان، أو فقط للتقرير؟ حقيقة اسمه رمان، اسمٌ مشترك بين رمان الدنيا ورمان الجنة، لكن هل هذا الرمان، هو الرمان الدنيا؟ لا، بل كما قال تعالى (و أُتوا به متشابهاً) [1] . فأراد الرب عزوجل، أن يعرِّفنا إياه فعرَّفناه بالتفسير - أولاً -، أو بما نعرفه؟ بان ندخل الجنة ونراه ونأكل منه. الآن، لمّا ندخل الجنة ونرى الرمان. ونعرف حقيقته، هذا، اسمه،"تأويل الخبر القرآني"بأنّ في الجنة رمّان.
فالآن عرفناه حقيقةً، ولمّا واحد يأتي يفسِّر لنا الرُّمان حتّى نعرفه ذهنياً، نقول: أَوَّلَ لنا إياه، نقله من حقيقته اللفظية إلى حقيقته الذهنية. هذا هو التأويل.
ولذلك مثلاً: لما ذكر الله تعالى علامات واشراط الساعة، وقال: (و لمّا يأتهم تأويله) [2] ، هنا،"تأويله"، ما معناه؟ حقيقته. أي: لمّا جاءت حقيقته.
الله عزوجل أخبرنا أنّ في آخر الزمان، تخرج الدابة، ماذا تأويل الدابة؟ أن تأتي الدابة وتخرج ونراها فندرك حقيقتها، أو أن يفسرها لنا النبي صلى الله عليه وسلم ..
من هنا، التأويل في لغة القرآن والعرب، ماهو؟ حقيقة الشيء الذي ظهر لنا لفظاً، أو تفسير الشيء، أن يعرِّفنا إياه بألفاظه وأشكاله، وهكذا، فيُفَسِّره لنا حتّى يصبح لدينا صورة ذهنية عنه. أو يعرِّفنا بحقيقته، هذا هو التأويل في لغة القرآن.،"آل"أي: تحوّل من حالةٍ إلى حالة، كانت حالته ذهنية، فصارت حقيقية، كانت حالته لفظية، صارت ذهنية، فصارت حقيقية، هذا هو التأويل في لغة القرآن.
الآن، هل أسماء الله لها تأويل بهذا المعني؟ نعم، التأويل هو الحقائق، إما حقائق عينية، وإما حقائق ذهنية، وإما حقائق لفظية. انتقال من حالة إلى حالةٍ. هل أسماء الله لها تأويل؟ نعم. بهذا المعني. مثلاً: ما تأويل صفة الله (استوى على العرش) ؟ إما أن يفسِّرها لك: فيقول لك"استوى على"، لغةً يعني علا وارتفع. حقيقة الأمر هو مستوي على العرش. ولم تَطّلع كيفيته، وستعجز عنها. حقيقة الأمر هي التأويل الواقعي ..
الآن نأتي إلى أن نعرف أين حصل الإنحراف في فهم قوله سبحانه وتعالي: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) [3] .
التأويل، بهذا المعنى الحقيقي في لغة العرب، وهو التحول، وفي لغة القرآن، ولغة القرآن لغة العرب .. ، لكن أين صار الإنحراف؟ كلمة"التأويل"، إنحرفت، فصِرْنا لمّا أردنا أن نُفَسِّر هذه الآية، صار صعباً علينا!
(1) البقرة (25) . والقاعدة الصحيحة تقول:"إشتراک الألفاظ (أو الأسامي) ، لا تؤدِّي إلي اشتراک الصفات، أو تشابه الصفات".
(2) يونس (39) .
(3) آل عمران (7) .