فهرس الكتاب
الصفحة 215 من 224

الآن، مثلاً: (مَهْرُ المثل) ، مهر المثل، أي: مَهْر المرأة مثل أمثالها، هناك إمرأة لها ثلاثون سنة، فزوَّرت حالها، فصارت كأن عمرها عشرون سنة، وتعاملنا معها بمهر المثل، هل إختلَّ الميزان أو لم تختل؟ إختلّ ..

من هنا، أنّ الحقائق الكونية مقدسة، وتجاوزها كفرٌ وضلال .. ، والحقائق الشرعية لا قيمة لها، وما لها أي احترام، إذا نزلت على حقائق غلط، أو عند عدم وجود الحقائق الصحيحة ..

أضرب لكم مثالاً: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) .. ، بقرة، بقرةٌ، هذا حقيقةٌ لفظي، مستقر في الذهن على حقيقة معينة. الآن، لو جئنا وحملنا لفظ"البقرة"على معنى آخر غير ما إستقر على الأمر الكوني الذي نشأ منه اللفظ الشرعي - لمّا علَّم آدم الأسماء كلها - هل هذا المدلول الجديد الذي حملنا عليه لفظ"البقرة"، هل هذا العمل - أي تغيير الحقيقة الذهني -، هل تَسَبَّب في إختلال الفهم من مراد الشارع بهذا النص، ومن ثَمَّ عدم تحصيل المراد بالنص؟ نعم! ويحصل بهذا، الاختلال، والغلط والضلال والمصيبة! .. ، تصوّروا لو أنّ واحداً حمل"البقرة"على أنها"الشاة"، كيف صارت القضية؟! .. ، هذا المثال الذي ضربته لكم، مثال في مسألةٍ عاديةٍ، وفي دقائق الأمور تكون القضية أخطر بكثير! يعني عندما تكون هذه القضية في ألفاظ"الإيمان"و"الإسلام"و"التوحيد"و"لا إله إلا الله"و"الصلاة"و"الموالاة"و"المعاداة"و"المسلم"و"الكافر"و"جماعة المسلمين"و .. ، عندما تكون في أمثال هذه الأمور، تصوَّروا كيف تصير القضية!! .. ، وعامة ضلال الأمة في هذه الأمور؛ لا يوجد ضلالٌ في تاريخ الإنسان إلا وكان بدايته من هذا ..

بعض الناس يتصور أن الأمور التي قال الشرع بأنها معاصي، إنما صارت معصية بورود أمر الشارع، نعم! هذا حق، أن الإنسان يعصي الله بإقتراف هذه الأمور، لكن هل هي في حقيقتها هي ضد الحق؟ هل في ذاتها باطل؟ نعم! [1] بمعني، لمّا الإسلام حرّم شرب الخمر، هل الشارع، أنشأ هذا الحكم، لأنّ الخمر في حقيقتها مُفسِدة أم فقط بورود الحكم صارت مفسدة؟ يعني لو شربها المرء قبل ورود أمر الشارع، هل يسكر؟ وهل يختل عقله؟ نعم. إذن الحقيقة الكونية هي الأصل، وجاء الشارع بالشرع من أجل أن يبين لنا حقائق الأمور الدنيوية وحقائق الأمور الأخروية. والأمور الأخروية لا يمكن أن تكشفها إلا بالوحي ..

أنت مسلمٌ تريد أن تُرضى الرب، ماذا يريد الرب لأن يرضي؟ .. ، أن الإنسان يذهب ويحسن إلى الكافر الذي يسُبُّ الله عزوجل، وهو ظانٌّ أن بهذا الإحسان إليه، يرضي الرب، هل في الحقيقة يرضى الله بهذا؟ لا. هذا الرجل، لم يعلم الحكم الشرعي، بأن يعاديه، فالأصل أنّ الحقيقة أنّ الله عزوجل، يبغض هذا، وينبغي لعباده أن يبغضوه، وهذه هي الحقيقة، والشريعة جاءت بها. والأنبياء جاؤوا ليعَرِّفونا بحقائق الكون والحياة ..

إذن الحقيقة الذهني واللفظي، تابع للخلقي والعيني، والإرتباط بين اللفظ وبين الحقيقة، إرتباطٌ، في أول شيء: كوني، وثانياً: شرعي.، وهو مادام ثبت أنّه كوني، لابدّ أنه لازم أن يكون شرعياً ..

(1) ارجع إلي موضوع"التحسين والتقبيح العقلي".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام