لماذا نتكلم هذا الكلام؟ نتكلم هذا الكلام للأمر التالي: أن الإيمان ليس هو فقط إرادة حصول الخير بالقوة الدافعة، محبة الله والخوف منه والرجاء اليوم الآخر، كما يتصور بعض الناس، عندما يقول فلان مؤمن، يعني أنه يخاف الله بكثير، أو يرجو اليوم الآخر بكثير ..
لنفهم هذه القضايا. فإذا جاء مثلاً دولة إسلامية ضعيفة، ضعيفة الشأن ما عندها قوة عسكرية، جاء الكفار فحاربوها، كانوا عاجزين عن حصول النصر، ماذا يعني عاجزين عن حصول النصر؟ يعني عاجزين عن القدرة على تحصيل الجهاد الذي قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) . [1]
ما حصل عندهم الآن؟ حصل لديهم عمل الجهاد الذي يؤدِّي إلى المدافعة، لكن هم دافعوا فانهزموا، ولم يحصل المدافعة .. ، لماذا حصلت الهزيمة؟ لتخلُّف القدرة التي تخلَّفَ عنه الإيمان الذي تخلَّفَت به المدافَعة ..
لكن هم، المسلمون، يتحدثون:"جماعة مؤمنة"! ماذا يقصدون بالمؤمنة فقط؟ يقصرونه على جانب الإرادة ولا يدخلون القدرة التامة في موضوع حديثهم"الجماعة مؤمنين، أو غير مؤمنين".. ، إذن، تصور قُدرات المسلم، هل هو جزءٌ من الإيمان؟ قُدراته؟ هل هو أكثر إيماناً من المؤمن الأقل قدرة؟ نعم!، الله يحب المؤمن القوي، هو أحَبُّ عند الله من المؤمن الضعيف [2] ، بالرغم قد يقول القائل:"أنا مشلول، لماذا يحب الله هذا صاحب العضلات؟"!، الله يحبه، وإذا أجرك بعجزك، هذا مسألةٌ أخري، لكن هذه المحبة، والمحبة لزيادة الإيمان، دائماً كل شيءٍ معلق في الشريعة على ماذا؟ الإيمان.
ان الله يحب الذي أكمل وأكثر إيماناً ..
إذن وجود القدرة التامة جزءٌ من الإيمان، فلما كان المسلمون عندهم إرادة طاعة الله بما يترتب عن تطبيق الأمر الشرعي وعندهم القدرة التامة لتحقيق وعود الله في الأرض، حينئذٍ يستحقون أن يسموا مؤمنين. وإذا تخلف واحدٌ مثلاً لا توجد القدرة التامة، ولا توجد إرادة طاعة الله، أو لم يكن خوف من الله أو .. هل هم متخلفوا الإيمان؟ نعم هم متخلفوا الإيمان. ولا يسمَّون المؤمنين .. ، هل يلحق بهم الوعد الإلهي؟ لا يلحق .. ، هناك جماعةٌ عندهم"القوة الدافعة والعلم"موجودة، لكن لايملكون القدرة، هل يحصل العمل؟ هل يقع عليهم الموعود الإلهي؟ لا ..
إذن ماهو مناط أو (علة) ، تقدم المسلمين وتأخرهم؟ وجود الإيمان أو عدم وجوده، كل ما يوجد من مظاهر الخير في الأمة هو الإيمان، وكل مظاهر الضعف في الأمة هي عدم وجود الإيمان، وعليه عدم وقوع الوعود الإلهية ..
واحد يأتي ويقول:"أنا مؤمن، أخاف الله، وأصلِّي و .. ، فالله مُطالَب بأن يدافع عني، لأني مؤمن!"، هذا فسَّر الإيمان بمفهوم إرجائي باطني .. ، ووجود القدرة التامة أمر ظاهر، والإيمان لابدّ من التلازم بينهما، فإذا فسره بالأمر الباطن فقط فهذا مرجيء. وإذا فسره بالأمر
(1) الحج (38) .
(2) قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي کلٍ خير) الحديث. رواه مسلم (2664) .