العمل قد يتخلف بسبب العلم، فهذا جاهل لا يعمل، إذا تخلَّف العلمُ، تخلَّفت الإرادة، إذا تخلَّفت الإرادة، يتخلف العمل، إذن هو متخلف الإيمان.
بمعني؛ هل إيمان الصحابة - إنتبهوا لهذه القضية -، هل إيمان الصحابة قبل نزول التكاليف هو نفس مرتبة إيمان الصحابة بعد نزول التكاليف؟ لا، لتخلف العمل، إنّ الأعمال التي كان يقوم بها الصحابة بعد زيادة التكاليف، هذه هي الأعمال الإيمانية، إذن هي كلما زاد العمل، زاد الإيمان، .. ، عقد الإلتزام موجودٌ عندهم في كل مرتبة، وكذلك قبول أمر الله على أي أمرٍ يأتي، - إذا ردَّه يكفر، وبعد ذلك لا ينفعه عقد الإلتزام، ويبطل في أي مرحلة يكون - ..
فإذن إيمان الصحابة .. ، ولذلك (اليوم أكملت لكم دينكم) المائدة 3. إذن: دينهم كان قبل ذلك تاماً أو ناقصاً؟ ناقصاً، كان دينهم قبل ذلك ناقصاً وجوداً وحالاً، وجوده في الأحكام الشرعية، وحالاً في تطبيقاتهم وأعمالهم .. - هذه قضية مهمة -، إيمان الصحابة بعد نزول التكاليف أعظم من إيمانهم قبل نزول التكاليف بإمتثالهم وتطبيقاتهم، [1] ولذلك الصحابة كانوا يطلبون من الله زيادة التكاليف، [2] لأنه بزيادة التكاليف، يزيد أبواب الدخول في الإيمان .. هذه قضية مهمة ..
النقطة الثانية: قد يتخلف العمل، طبعاً ممكن أن يتخلف العمل، لضعف القوة الدافعة، مثلاً: محبة الله ضعيف عنده ..
قلنا القوة الدافعة لها ثلاثة شقوق: 1 - الخوف. 2 - المحبة. 3 - الرجاء. وقلنا سابقاً: مَن عَبَدَ الله بالخوف وحده، فهو خارجي (حروري) - لأنه يرى أن ترك أي عمل يؤدي إلى الكفر، وهو يخاف من هذه القضية أكثر من غيره -. ومن عَبَدَ الله بالمحبة فقط، فهو زنديق.، يعني يترك العمل ويترك الأوامر ويأتي النواهي، وهو يحب الله ولا يخافه ولا يخاف النار. ومن هنا ضلال كلمة التي قالوها:"ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك"، هذه كلمةُ كفرٍ ..
ومن عَبَدَ الله بالرجاء فقط فهو مرجيء، يرجو الله، وهو عنده، الإيمان فقط التصديق، والتصديق موجودٌ، خلاص، فهو مؤمن، فكل الوعود الالهية المعلقة على الإيمان في القرآن، - عند هذا الشخص يجب أن يقع - بمجرد التصديق! - لأن الإيمان عنده التصديق فقط -، إذن هذا مرجيء ..
هذه عبارة أهل السنة والجماعة [3] :"من عبد الله بالخوف وحده فهو خارجي، ومن عبدالله بالمحبة فقط فهو زنديق، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجيء، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة، فهو مسلم صحابي ومؤمن مُوَحِّد".
الآن، نأتي إلى القضية الأخري: القدرة التامة: (تخلف العمل بسبب عدم وجود القدرة) . عدم وجود القدرة، له سببان: السبب الأول: العجز. والسبب الثاني: الكسل. واحد يريد أن يأكل،
(1) قال تعالي: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة 123.
(2) قال تعالي: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ .. ) {محمد 20} .
(3) هذه العبارة، عزاها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (العبودية ص 128) لبعض السلف دون تحديد. ونقلها الإمام الغزالي رحمه الله في (احياء علوم الدين 4/ 166) عن مکحول الدمشقي رحمه الله.