معصية إبليس ما هي؟ هي بترك الأمر، تَرَكه، الآن هل إبليس قَبِلَ حكم الله، ثم بسبب النفرة وقع في ترك الأمر؟ - لأن المعاصي، عند أهل السنة، تقع بسببين، الشهوة والنفرة، الشهوة تقع في إرتكاب المنهي عنه، والنفرة تقع في ترك المأمور به -. ومعصية إبليس كان بترك الأمر. الآن لو أنه سجد لآدم فعلاً، ودخل في الأمر، لكنه لم يقبل الأمر إبتداءً، وردَّه على الله عزوجل، ماحكمه؟ الكفر.
إذن قبول الأمر، غير متعلق بالفعل وعدمه وهو لنفسه مكفِّر، قد يفعل الإنسان الأمر ولكن لا يقبله، كما يفعل المنافقون .. ، المنافقون لا يقبلون حكم الله ومع ذلك دخلوا فيه عملاً، إذن معصية إبليس في ترك الأمر، ثانياً، عدم القبول، قال لله عزوجل:"أنت أمرك غلطٌ، غير صحيح"- العياذ بالله -، لماذا غير صحيح؟ - قال - لعنه الله -، لأن أنا أصلِي من النار، وهو أصله من الطين، والنار أصل طيب والطين أصل خبيثٌ! كيف؟ النار عظيمةٌ [1] ، تحرق، والنار ترتفع إلى الأعلي، والنار يحتاجها الناس في الطبخ وغيره. أما الطين، فإنه أول شيءٍ، أنه خبيث الرائحة، ثانياً: أنه لا يرتفع إلى الأعالي، ولكن ينزل إلى الأسافل، والذي يرتفع إلى الأعلي، أفضل من الذي ينزل إلى الأسفل. ثالثاً: الطين يحتاج إلى النار كثيراً في ( .. ) وفي تَطييبه، - قال لعنه الله - وإذا كان أنا أصلي طيب وهو أصله ليس بطيب!"فكيف تأمر مَن أصله طيب أن يسجد لِمَن كان أصله غير طيب؟ ماهذا؟ .."
إذن، ردّ أمر الله تعالي، وما قَبِلَه ..
الآن، ما الردُّ على إبليس؟ أول شيءٍ، هذا قياس في مورد النص. لكن هل هذا قياس صحيح؟ لا، بل هو قياس فاسد. قياس فاسد عقلاً، بعد ثبوت مخالفته لحكم الله، فهو فاسد أيضاً. لماذا؟ لأن النار من صفاتها الطّيش، لمّا تحرق لا تتفرَّق بين الطيب والخبيث، بخلاف الطين، فإنه طيب، فإنّ عامّة ما ينتفع به الناس، من الطين - أو من التراب -، والشجر والنبات وكل شيءٍ يخرج منها.
ثانياً: النار متكبرة، تتصاعد إلى الأعلي، وليس كل من يصعد إلى الأعلي، يستحق الصعود وليس كل من ينزل إلى الأرض، هو دني، الآن لمّا تكون السنبلة فارغةً إلى أين تكون رأسها؟ إلى الأعلي. ولمّا تكون مَليئاً، تكون رأسها إلى الأسفل ولذلك فإنه ليس كلُّ من يرتفع إلى الأعلى يستحق الإرتفاع. بل التواضع خيرٌ من التكبر .. كما قال الشاعر:
"تواضع، تكن كالنجم لاح لناظرٍ على صفحات الماء وهو رفيع"
ولا تك كالدخان يرفع نفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع"."
ثالثاً: ليس كل من كان أصله طيباً، يكون طيباً. وقد يكون الشيء أصله فاسداً وهو طيب، فإن الصحابة رضي الله عنهم، أصولهم وآبائهم كفرة، وهم خير الناس وكذلك الشجر، بماذا ينتفع؟ بالعذرة .. ، فهذا ما يسمى عند علماءنا، بالإستحالة، الشيء يتحول. والقضية ليست قضية أصل، ولكن قضية الحال، على ماهو عليه ..
(1) هذه الکلمات، بيان، للأقيسة الفاسدة التي، احتج بها إبليس لعنه الله، في ردِّه أمر الله عزوجل.