تكلّمنا من قبل، عن قضية مهمة، أُكرِّرها، تكلمنا وقلنا: لو أن رجلاً أتى بعملٍ من أعمال الكفر الأكبر، هل يشترط شرطٌ آخر ليسمَّى هذا كفراً أكبر؟ هل يشترط مثلاً الإعتقاد؟ لا.
نضرب مثالاً، كثيرٌ جداً موجود في الناس. عندنا، من الكفر النسك، من الكفر أو الشرك الذي يقابل توحيد النسك، هو السجود للأصنام. هذا عملٌ من أعمال الكفر الأكبر، فرجلٌ سجد للصنم، هذا العمل بذاته، بحكم الشرع يساوي ماذا؟ كفراً أكبر. هل يشترط شرطٌ آخر لنقول عن الفاعل - إذا ذَهَبَتْ الموانع ووُجدت الشروط - أن هذا كافر؟ لا يشترط .. بمعنى هل يشترط الإعتقاد؟ لا ..
هذه نقطة خطيرة جداً، الذين يسجدون للأصنام، من القبور والأوثان وغيرها في البِيع، والتي تُسمَّى عندنا في آخر الزمان بالمساجد، سَجَدَ .. ، العلماء - من أهل السنة - جاؤوا وقالوا عن هذا الفاعل أنه كافر، أو أن هذا الفعل، فعل كفر أكبر.، ردَّ عليهم أصحاب الفرق الأخري، فقالوا: نعم! السجود للصنم كفرٌ، لكن يشترط لمن سجد للصنم لأن يكون كافراً، أن يعتقد أن هذا الصنم هو المانع والمُعْطي، وهو المتصرِّف في هذا الكون. فهم - بهذا - اشترطوا شرطاً آخر، وهو الاإعتقاد .. قالوا: إذا قال الرجل أنا أستغيث بهذا الصنم، وأطلب منه، لأني أعتقد هو النافع والضار، وهو المانع، وهو المعطي، وهو المتصرِّف .. ، فإنه يكفر. يعني اشترطوا شرط الإعتقاد ..
نحن قسمنا الأمور إلى توحيد الربوبية وهو صفة الذات، وتوحيد الألوهية وهو الإستحقاق، وتوحيد الأسماء والصفات. الآن"السجود"في أي قسمٍ يدخل؟ في الالوهية. مِن حقه سبحانه وتعالى أن لا تسجد إلا له، هذا حقه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" [1] ، لكن هذا حق لله، لا يسْجَد إلا لله. فهو حقٌ من حقوق الله .. إذن هو من توحيد الألوهية.
الآن، كونه المانع والمعطي والنافع والضار، أيُّ توحيدٍ هذا؟ توحيد الربوبية.
التكفير على الصحيح، وعامة كفر الناس - فيما تكلمنا لكم سابقاً -، والتوحيد الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل الناس عليه، ونازعه الناس فيه؛ هل هو توحيد الربوبية أم توحيد الألوهية؟ توحيد الالوهية. هم كانوا يقرون بأن الله الرازق وأن الله المحيي، وأن الله المميت، وكانوا يقرون بهذه الأمور. ففي ماذا كان شركهم؟ في صرف الأعمال التي لا تنبغي إلا لله، بصرفها لغير الله، وهي الأعمال التي لا تُصرَف إلا لإلهٍ، ومنها السجود والدعاء، والذبح والنحر وغيرها، فهم - أي كفار قريش - كانوا يعتقدون بتوحيد الربوبية، فأين كان شركهم؟ في صرف الأعمال التي يستحقها الإله الحق، إلى آلهة باطلة، ومنها السجود، الدعاء، النذر، جَعْلُ مصدر التشريع - أو طاعة التشريع -، وغير ذلك ..
إذن، من قال أن السجود للصنم، حتّى يكون عملاً من أعمال الكفر الأكبر، لابدّ أن يعتقد الساجد ذن المسجود له ربٌ يحيي ويميت، وينفع ويضر، إذن هذا الرجل بماذا يكفِّر؟
(1) رواه ابن ماجه (1843) والترمذي (1079) وابن حبان (1290) . وصححه الألباني في (صحيح سنن ابن ماجه، وفي ارواء الغليل 7//56) .