بالربوبية. وكفار قريش هل كفروا بالربوبية؟ لا. إذن - على قاعدة هذا الرجل أو هذه الفرقة - أن كفار قريش مسلمون، وليسوا كفاراً!! .. [1]
الآن .. ، من الكفر،"الولاء والبراء"، أو من الكفر أو الشرك الذي ينافي توحيد الولاء والبراء،"القتال تحت رايةٍ كافرة ٍ ضد رايةٍ مسلمة". رجلٌ في صف المشركين، قاتل صف المسلمين، وهو يعلم - بالشروط والموانع التي سنتكلم عنها -، هذا العمل كفرٌ أكبر، لأن أعلى درجات الولاء، هي النصرة، فهذا الرجل نصر الكفار على المسلمين - لا على الكفار -، فهذا ضد جميع مراتب الولاء والبراء، فهذا كفرٌ أكبر. هذا العمل بذاته، كفرٌ أكبر، بمجرد ما حمل السيف على المسلمين - وفي صف المشركين -.، هل هذا كفرٌ أكبر، أم أنه يحتاج إلى إعتقاد؟ هل قتال المسلمين نصرةً للكفار وتحت راية الكفار، هل هو كفرٌ أكبر، أم أنه يحتاج لكفر هذا الرجل، إلى"أن يجحد ويكفر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم"؟ لا يحتاج.
إذن ممكن الرجل يقول"لا إله إلا الله محمد رسول الله"و يقر ويصدق ويتابع بأمور كثيرة، لكنه قاتل تحت راية المشركين صفَّ المسلمين، هذا الفعل كفرٌ بذاته وبمجرده ولا يشترط إعتقاد عقائد المشركين حتّى يكون كفراً ..
والدليل على هذا حتّى لا تستغربوه، حادثة أسر العباس، بيد المسلمين يوم بدر. العباس ماذا كان يعتقد؟ يعتقد صِدق محمد صلى الله عليه وسلم، ويعتقد في قريش أنهم كفار، ومع ذلك قاتل تحت راية المشركين وقاتل المسلمين. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا رسول الله إني قد كنت مسلماً، والقوم استكرهوني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الله أعلم بإسلامك، إن يك ما تذكر حقاً فالله يجزيك به، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافدِ نفسك" [2] ."
إذن هذا في الولاء والبراء ..
وهكذا في قضية"القضاء والتشريع"، لو أن رجلاً إعتقد في حكم الله أنه الحق وأنه الصواب، وأنه دين الله، وأنه يجب على الناس أن يلتزموه، وكل هذه، إعتقدها، ثم قال للناس:"حلالٌ لكم أن تشربوا الخمر"، ووضع لهم قانوناً بجواز شرب الخمر في الدولة، أو رخصة ممارسة الربا، هل هذا الفعل يحتاج إلى إعتقاد حتّى يكون كفراً؟ وقد قلنا سابقاً أن مُطلق التشريع [3] كفر. الإجماع منعقد - كما نقله الإمام الشاطبي - أن مطلق التشريع كفرٌ أكبر.
(1) أي: لازم قول هذا الذي يقول باشتراط الإعتقاد .. ، لازم هذا القول أن يکون کفار قريش مسلمين، وهذا باطل. وما لزم منه الباطل فهو باطل. إذن القول باشتراط الإعتقاد في التکفير بأسباب الکفر، باطل ولا أساس له في الدين. والله اعلم.
(2) رواه الإمام أحمد رحمه الله في المسند (3310) عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه الحاکم في المستدرک 3/ 324 من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه علي شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
(3) التفريق بين"مطلق الشيء"و"الشيء المطلق": إذا قيل"الشيء المطلق"، فيدخل فيه کل ما يطلق عليه هذا الشيء ولا يخرج منه شيءٌ من أجزاءه أو أفراده، فإذا قلنا الإيمان المطلق، أي: الإيمان الشامل لکل أفراده وکل شعبه، أي"الإيمان الکامل"، وإذا قلنا"التوکل المطلق"أي"التوکل الکامل"وهکذا. وأما"مطلق الشيء"أي فرد من أفراد الشيء، أي: أدني ما يطلق عليه اسم هذا الشيء، فإماطة الأذي عن الطريق من مطلق الإيمان وأدني شعبه، وأدني درجات التوکل يقال لها: مطلق التوکل، وأدني درجات التشريع، يقال لها: مطلق التشريع وهکذا ..