الأمرالشرعي مع الأمرالكوني؟ الأصل أنه شرب خمراً فإنه آثم، لكن لم يتوافق الأمر الشرعي مع الأمر الكوني. فإذن قد يفترق الأمر الشرعي مع الأمرالكوني، بمعني: أن الرجل اجتهد ليصيب الحق فأخطأه، قديكون مأجوراً، ولكن لايعني كونه مأجوراً، أنه مصيب. لا تلازم بينهما، كما تبين لنا في المثال الذي ذكرنا، أن الرجل شرب خمراً وهو غير مأزور، فلا توافق بينهما ..
إذن القضية الأولى التي نريد أن نتبينها، هو العلم ..
بلاشك أن المعاصى تحدث بالهوي، لكنه قبل الهوى الظن، كماقال الله عزوجل: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} [1] . إذ هوى تعود إلى القوة الدافعة، والظن يعود إلى العلم، فهمتم؟ ..
أعيد! الإرادة تشكل - كماقلنا - بالعلم والقوة الدافعة. رجلٌ حصل لديه العلم أن هناك مالاً، ولكن لايمكن أن تحصل الإرادة لديه لتحصيله إلا بتحصيل الدافع لتحصيل هذا المال، كالرغبة فيه، والقوة الدافعة تتشكل بأمور، والعلم يتشكل بطريق 1 - التعلم، - كما قال صلى الله عليه وسلم: {إنما العلم بالتعلُّم} [2] -، و 2 - التوفيق الإلهي، كما قال علي رضي الله عنه، - وقد سئل: أخصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ؟ قال: لا، وأقسم قسمه المشهور - والذي فلق الحبة وبرأ النسمة - ثم قال: إلا فهماً يعطيه الله عزوجل رجلاً في القرآن .." [3] "
فالفهم هوزيادة العلم، العلم والأسس، تحصل بالتعلم وبعد ذلك"ففهمناها سليمان وكلّاً آتينا حكماً وعلماً" [4] . فالفهم مرتبة زيد عن مرتبة العلم.
قلنا أنه لايحصل الإرادة لتحصيل شيء أو لعمل شيء إلا بوجود العلم، وثانياً بوجود القوة الدافعة - التي هي - الرغبة في تحصيله ..
ما هو ضد العلم؟"الظن، الجهل". وما هو ضد الرغبة في تحصيله إذا كان حقاً؟"الهوى"..
بلاشك أن المعاصى الحاصلة في أمتنا، وما من معصيةٍ تحصل في الدنيا قط، إلا وتحصل بسبب الظن والهوى وقديكون الظن هو الأغلب وقديكون الهوى هوالأغلب، لكنه لاتقع معصية إلا باقتران الظن مع الهوي، كما لاتحصل الطاعة إلا بالحق، والحق هو إجتماع العلم مع قوة الرغبة"رجاء الدار الآخرة".
وقدتحصل معصية ما، لدى الإنسان بسبب الظن، فالغالب عليه الظن، ولكن مع هذا لاتنسى الهوي!، وقديكون الغالب عليه الهوي، ولكن لاتنسى أن في المسألة جهلٌ، ومن هنا: جماع
(1) النجم 23.
(2) أخرجه الطبراني في الکبير، وابن أبي عاصم في العلم عن معاوية. وأورده البخاري معلقاً بصيغة الجزم في صحيحه باب (العلم قبل القول والعمل) . وحسنه الألباني في سلسلة الاحاديث الصحيحة رقم 342.
(3) رواه البخاري باب فکاک الأسير. رقم (3047) .
(4) الأنبياء (79) .