المعاصي، شهواتٌ وشبهاتٌ، أما الشبهات فهوعدم حقيقة العلم، عدم العلم الحقيقي، وأما الشهوات فهي الهوى المخالفة للرغبة في الدار الآخرة .. فهمتم إخواني؟ .. واضح؟ ..
نحن في هذه المقدمة من أجل أن نبين .. بلاشك حتّى يحصل لديكم الرغبة على العمل، لابدّ ان نذكرلكم، أبواب الفضائل لهذا العمل، ولكن قبل ان نُحدث لكم، قبل ان ندرس فضيلة العمل، علينا ان نتحقق من حقيقة العمل، ماهوحقيقة العمل شرعاً وقدراً؟ ولذلك المشايخ الآن - يااخوتي! - عامة كلامهم في فضائل الأعمال [1] ، وفي فضائل الشرع ولكن هذه الأعمال وهذه الامور التي يدعون إليها، حقيقتها غير واضحة لدى الناس.
الآن لو جئت إلى رجلٍ من أهل فلسطين، وجاء خطيب ليتحدث عن الجهاد، - عندهذاالرجل - كلمة الجهاد تفهم بما هي مقرونة في ذهنه فقط، بما هي مقرونة بجهاد اليهود في فلسطين، وهولايفهم جهاداً سوى هذا، ولو جئت إلى مسلم الآن وتكلمت معه على فضيلة العبادة، عبادة الله عزوجل، فضيلة أن يعبد المرء ربه عزوجل ويتفرغ لعبادة الله عزوجل، يحصل لديه الشوق للعمل، لكن أين المصيبة؟ العبادة - على حقيقته - غيرواضحةٍ لديه، العبادة ليست واضحة لديه ..
وكذلك أعظم مفهومٍ دخل فيه التحريف ودخل فيه الغموض ودخل فيه ماليس منه وخرج منه ما هو من أركانه وما هو من حقيقته، هو الكلمة التي، بحقيقتها دخلت في قلوب الصحابة، فصنعت منهم الصحابة، وهي نفس الكلمة التي هي في قلوب الناس الآن ويؤمنون بها، ولكن صنعت بهم ماترون في هذاالزمان. هذه الكلمة هي كلمة التوحيد وكلمة الإيمان، هذه الكلمة، لما أخذها الصحابة وأخذها عامة المؤمنين من الحواريين من أتباع الأنبياء، صنعت منهم بشراًجديداً، وغيرت حياتم وواقعم وقلبت باطنهم وظاهرهم رأسا على عقب، تجردوا مما هم كانوا فيه كليا، لأنهم آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، آمنوا بما يدعو إليه، وهو دعوةٌ إلى كلمةٍ واحدةٍ، وهي {قولوا لااله الا الله محمد رسول الله} ، فصنعت بهم هذه الصنائع الكبيرة في أول لحظة وفي أول الأمر. أما نحن، هذا المسلم في هذا الزمان وفي الأزمنة المتأخرة التي سبقتنا، آمن بالله، وبلاإله إلا الله محمد رسول الله، وآمن بالصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد والأمر بالمعرروف والنهي عن المنكرو .. و .. ، وصنعت منه عاجزاً كلاً على مولاه أينما يوجهه لا يأتي بخير .. [2]
أما المسلم الصحابي الأول، أخذ هذه الكلمة فقط {لااله الاالله} ، فغيرت حياته من غير تبعٍ لأي أمر آخر من الأوامر التي تقتضيها أو تلزمها هذه الكلمة، فصنعت منه ذاك الصحابي وذاك الإنسان العظيم الذي غير مسير التاريخ وفتح القلوب والبلاد. واما مسلمون اليوم، هذه الكمة ومعها الآلاف ومئات الآلاف من الأوامر الشرعية، وصنعت منهم ليس رجلا سلماً لرجل، لكنه رجلا فيه شركاء متشاكسون [3] وكلاً عاجزاً أينما يوجهه لا يأتي بخير، يجاهد، يأتي بالمصيبه!، يأمر بالمعروف، يأتي بالمصيببة!، يزكي، يأتي بالمصيبة!، يذهب إلى الحق، يأتي يالمصيبة!، يدخل المساجد، فيصنع المصائب!، لهذه الكلمة!، يصنع المصائب أينما
(1) المثال البارز لهذا الأمر، ماهو مشاهد في عمل اخواننا المسلمين في"جماعة التبليغ"، حيث ان عامة دعوتهم وعامة کلامهم في أبواب فضائل الأعمال ...
(2) اشارة إلي آية (76) من سورة النحل.
(3) اشارة إلي آية (29) من سورة الزمر.