أقول: إذن التكليف، مادام تكليفٌ الهي وهوتكليف حقٌ، موافق لحقيقة الإنسان، فالتكليف مكلفٌ به الإرادة، إذن الإنسان في مجموعه، هو ماذا؟ هوالإرادة، الإنسان في مجموعه هوالإرادة. ثم لو أراد إنسان ما أن يصنع خيراً، ثم عجز عن أن يحصل الخير ليعمله، يحصل الأجر لديه أم لا؟ يحصل الأجر لديه. ولوأراد الإنسان أن لايصنع خيراً، فوقع الخير بغير أرادته، هل يحصل لديه الأجر؟ لا، لايحصل لديه الأجر."إنما الأعمال بالنيات". [1] وسنتبين أن قوله صلى الله عليه وسلم"إنما الأعمال بالنيات [2] "، أن الأعمال بمفهومها الشرعي على معنى والأعمال بمفهومها القدري على معني ..
إذن التكليف الإلهي متوجهٌ إلى الإنسان، أي متوجه إلى الإرادة، لأن الإنسان هوالإرادة، والموت هو فقدان الإرادة، والخطأ هو فقدان الإرادة، وكلها حالات تمتنع حصول التكليف الشرعي على الإنسان. ومناط الإرادة في الأصل، معلق بالعلم .. ومن هنا جاءت أهمية العلم في الشريعة، جاءت أهمية العلم من أجل أن تتَشَكل الإرادة لدى المسلم تشكلاً صحيحاً، موافقاً للحقيقة. ويمنع الإسلام أي وهمٍ اوأي ظنٍ، بتشكل علمٍ لدى الإنسان، مخالفٍ لحقيقة الأمر. فهمتم إخواني؟! ..
حصول الأوهام، .. كيف يحصل الوهم؟ أو كيف يحصل الظن الذي هو مخالفٌ للحق، الذي هو مخالف للعلم؟ - العلم الشرعي ماذا؟ هو الحق -، مامعنى الحق؟ ما معنى الشيء كونه حقاً؟ مامعنى حقيقة الشيء؟ أي، على ما هو عليه في الواقع ..
تصل درجة الوهم إلي الكفر، وتصل درجة الظن إلى الكفر، وقد تزيد وقد تنقص، ككل الفاظ الوجود، ليس لها مرتبةٌ واحدة، ولكن لها مراتبُ متعددة ..
الحقُ، هو شيءٌ لايتعدد .. لكنه ممكن أن يتنوع. - مثلاً - كلمة"إنسان"، أنا إنسان، وأنت إنسان، ولست أنا أنت، ولا أنت أنا، ولا أنت غيرك ولاغيرك أنت، إذن تتنوع، واضح؟ .. لكنه هل يمكن ان نطلق على الخنزير إنسان؟ بحجة كونه هذا اللفظ ممكن أن يستغرق غير الإنسان؟ لايمكن. لكن الإنسان ماذا؟ يتنوع. الحق قد يتنوع، لكنه أبداً لايكون إلا واحداً، لأن الحقيقة لاتكون إلا واحدةً"فماذا بعد الحق إلا الضلال" [3] ، وهذا هو الصواب.
وسنتبين إذا أفسح الله عزوجل لنا في أعمالنا، أن مِن بعض أوهام الضلالات التي دخلت في أمتنا هو قول"الموافقية"او"التوفيقية"وهم فرقةٌ قالوا بتعدد الحق، يعني {مثلا} إذا قال الحنفية في هذا الأمر، أنه جائز، وقال مخالف له شافعي، أنه حرام، فعندهم - أي عند الموافقية -، كلاهما مصيب وكلاهما حق. وهذا قول أبو حامد الغزالي، ليس جماعة خيإلية، وهذا قول بعض فرق الكلام التي قالت: كلاهما مصيب. ولذلك أخرجوا لنا كلاما بقولهم:"كل مجتهد مصيب". [4] وقدخلطوا مأبين الأمرالشرعي والأمر الكوني، لأننا قلنا إذا شرب الرجل كأسا على اساس أنه ماء - وهوفي حقيقته خمر -، أنه يسكر، وهوشرعياً ليس بآثم. هل توافق
(1) الإجماع علي أنه لا ثواب ولا عقاب إلا بالنية. (الأشباه والنظائر علي مذهب أبي حنيفة النعمان. ص 27. ط. المکتبة التوفيقية.) و (الفروع لابن مفلح الحنبلي ج 1/ص 111) .
(2) حديث متفق عليه.
(3) يونس 32.
(4) للمزيد من التفصيل في هذا الموضوع راجع (مجموع الفتاوي ج 20/ص 19) .