والقوة لعمل الشيء وهذه القدرة - كما سنبين في موضع القضاء والقدر عند أهل السنة - تقسم إلى قدرتين، 1 - قدرة وهي مناط التكليف و 2 - القدرة عند حصول الإرادة للفعل ... [1]
نرجع إلى النقطة التي بدأنا منها، وهي العلم، أنه لا إرادة إلا بالعلم. فإذا دخل في العلم الفساد، دخل بعد ذلك الفساد في الإرادة. فأي منفعة بعد ذلك تحصل وأي قوة تحصل وأي دافع يحصل، لا قيمة له، إذا كان العلم فاسدا.
إذن الأمر الأول الذي علينا أن نهتم به، هو"وضوح العلم". وهذا يعني أن يكون العلم موافقا لحقيقة المعلوم، أي موافقا للحق. فإذا حصل بعض الغبش أو بعض الخيوط التي تعيق وضوح العلم، أو التي يحصل بسببها فساد العلم، يحصل الفساد في إرادة الإنسان، فإذا فسدت إرادة الإنسان، يفسد الإنسان لأن الإنسان هو الإرادة. الإنسان هو الإرادة، ولذلك التكليف الإلهي للإنسان، تكليفٌ على الإرادة، تكليفٌ للإرادة، والثواب والعقاب يترتب بعد ذلك على الإرادة [2] .
بمعنى - مثلاً - لو أن إنساناً أراد أن يشرب الخمر، فجاء إلى كاسٍ من الماء - على الحقيقة - وهو يظنها خمراً، فشربها على أنها خمراً، فإنه يأثم وإن لم يحصل الأمر الكوني وهوالسكر، فهنا نفرق بين الأمرين - كماهوواضح - أن وقوع الأمرالشرعي - الثواب أو الإثم - متعلق بالإرادة، أما - وقوع الأمر الكوني - وهو هنا الشيء المراد بالعمل - متعلق بحقيقة الشيء - أي حصول الشيء على حقيقته أم عدم حصوله -. ففي هذا المثال كون الرجل لم يسكر، هوعدم حصول الأمر الكوني، الذي هومتعلق بحقيقة الشيء المراد بالإرادة، وكونه أثم، هو الأمر الشرعي الذي ترتب على الإرادة. فكما ترون بين الأمرين عمومٌ وخصوصٌ، وعدم إتفاق، وأحياناً بينهما إتفاق.
فإذا جاء رجل ليزنى بأمراةٍ في الليل، فوطئها على أنها أجنبية، ثم تبين له بعد ذلك أنها زوجته، فهذاالرجل، إذا وُلد من جماعه، ولدٌ، يكون هذا الولد ابنه على الحقيقة شرعاٌ وكوناً (قدراً) ، ولكن يحصل لديه الإثم، أي إثم الزنا.
إذن مناط التكليف الشرعي على ماذا؟ مناط التكليف الشرعي متوجهٌ إلى الإرادة. إذا أراد إنسان أن يشرب ماءً، فغلط فشرب خمراً، هل يأثم؟ لا يأثم، هل يحصل لديه السكر؟ نعم يحصل لديه السكر.
الأمرالكوني موافق لحقيقة الشيء، والأمر الشرعي موافق لإرادة الشيء. وهناك أوامر شرعية، ليكون الأمر الشرعي موافقاً للأمرالكوني. يعني هناك أوامر شرعية، أنت مأمور بها أيها الإنسان، ليحصل التوافق مأبين الأمرالشرعي والأمرالكوني، وهذا منوطٌ بماذا؟ بالوسع والقدرة. بحسب وسع الإنسان وقدرته في أن يصيب في أرادته الشرعية، الأمرالكوني على حقيقته.
(1) راجع: رسالة (التحفة العراقية في الأعمال القلبية) لابن تيمية ص 13.
(2) يقول سيد قطب رحمه الله في"الإرادة": « .. فهي مناط العهد مع الله، وهي مناط التکليف والجزاء» . (في ظلال القران 1/ 61) وانظر في الظلال أيضا (4/ 221) .