فهرس الكتاب
الصفحة 144 من 224

قد يقول قائل: هل المباحات، هي قصد لله؟ كالنوم وأنواع الأكل والأشربة و .. ؟ نقول: نعم، لولا الإذن - من الله - بها، لما ساغت. فإذا أنت، تعتقد بأن هذا مباح، فتعاملت معها بحسب التحسينات لديك، إنها مُحَسِّنة أو غير مُحَسِّنة، إنما هو لإذن الشارع،. إذن أنت امتثلت إذْن الشارع في هذه الأفعال، إذن - بهذا الإعتبار -، هي عبادة، إذن هي قصد طاعة الرب بأنها مباحة، لأنه طلب منك أن تعتقد إباحتها، وأن تمارس بعد ذلك، سلوكك على حكم إباحتها.

إذن جميع أعمالك إما"واجب"أو"محرم"أو"مكروه"أو"مستحب"أو"مباح". ففي جميع أعمالك يجب أن لا تقصد إلا الرب سبحانه وتعالي، لا تتحرك ولا تفعل ولا تقوم إلا لواحد، في كل حركاتك وفي كل سكناتك وفي كل نفسٍ وفي كل شيء ..

الآن نريد أن نري، إرادات الإنسان، نريد أن نفسر الآن إرادات الإنسان، ماهي أفعال الإنسان؟ ..

تفكروا ماذا يفعل الإنسان من جهة علاقته مع الآخرين - أي أفعال الإنسان بالنظر إلى الذي تعامل معه -. الإنسان له، علاقة مع الله. صحيح؟ .. وله علاقة مع الآخرين ..

قلنا، يجب أن يكون جميع أفعال الإنسان لواحد وجميع طلباته من واحد، نريد أن نرى هذا الإنسان، ما هي علاقاته في الوجود؟ ما هي علاقاتك أنت في الوجود؟

أول شيء، علاقتك مع هذا الواحد الأحد، وهو الله سبحانه وتعالي. بأن طلب منك - مثلاً - أن تسجد له، وطلب منك أن تدعوه، وطلب منك أن تخبت له قلبك، أن تكون متوكلاً عليه وحده، وأن تخلص له في هذا، أن تخلص له الإخبات والتوكل، وأن تصوم له .. ، الصوم معاملة مع من؟ مع الله .. الحج، معاملة مع الله .. ، هذه الأعمال التي هي علاقة مع الله، تحديدها الشرعي، اسمه"النُّسُك". [1]

إذن أولاً: العلاقة بينك وبين الله، فيما لا يدخل فيه إلا علاقة مباشرة بينك وبين الله. إذن هذا النسك، لابدّ أن يكون لمن؟ لواحد. إذن يكون هذا (توحيد النسك) .

كذلك توجد علاقات أخري؟ ماهي العلاقات الأخري؟ مطلوب منك أن تحب فلان، ليس لأنه إسمه فلان، ولكن لصفةٍ فيه، هي العلة، المدار عليها .. ، مطلوب منك أن تحب المؤمن، أن تحب المسلم، أن تبغض الكافر، أن تبغض البدعي، أن تحب العابد، وأن تعادي الكفرة وتضربهم وتصنع بهم، وأن تحسن بالمسلمين .. ، إذن هي علاقة"حب ومعاداة"مطلوبة منك، وهي عبادة لله، فيها القصد والطلب. فيها القصد، أن تقصد الله بهذا الفعل، لأنه طلب منك وأمرك بعلاقات الحب بين الناس والبغض بين الناس، إحسان إلى ناس، عداء لأناسٍ، ولاء لجماعة، بغض لجماعة، .. ، هذه الأعمال التي هي علاقاتك بينك وبين من يحبه الرب، وبينك وبين من يبغضه الرب، بالحب والولاء، والبغض والعداء والبراء، هذه الأعمال، تحديدها الشرعي، اسمه"الولاء والبراء". إذن هذا، هو التوحيد الثاني، وهو توحيد الولاء والبراء، أو توحيد (الولاية) .

(1) قال ابن الأثير رحمه الله: (النُّسُك: الطاعة والعبادة. وكلُّ ما تُقُرِّبَ به إلى اللَّه تعالى) . النهاية في غريب الحديث والآثار. وقال صاحب (عون المعبود علي سنن أبي داود) . - قال في ابتداء کتاب المناسک:"النُّسُک: بضمتين، العبادة، وکل حق لله عزوجل".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام