الإنسان، أو المخلوق أو الشيء بإطلاقه، له ذات وله صفات وله أفعال، كما أنت، لك ذاتٌ وفيك أفعال وفيك صفاتٌ .. ، هذه بالنسبة إلى الله عزوجل، ذاته واحد - لا كفو له - وصفاته واحدة، وأفعاله واحدة، لم يشاركه فيها غيره، فإذا خلق، فهو واحد الذي خلق، لم يخلق في هذا الوجود خالقان .. ، وكذلك صفاته .. ، الله تعالي، من صفاته أنه رحيم.،"الرحيم"، بإطلاقها، لا يشاركه بهذا الإطلاق وهذا العموم أحد ..
تحدثنا عن إرادة الإنسان، في أن يقصد وأن يطلب، وأن يكون قصده وطلبه لواحد ..
الآن نتحدث عن المقصود وعن المطلوب، نريد أن نعرف ماهو المقصود والمطلوب، ومن هذا المقصود والمطلوب الذي يجب على الإنسان أن يوحده بقصده وطلبه؟ ..
هذا المقصود وهذا المطلوب، يجب أن يكون واحداً في صفاته وواحداً في أفعاله، أي: لا يكون له كفوٌ ولا نظير، ويجب أن يكون أعظم وأكبر من كل شيء ويجب أن يكون الغني المطلق الذي له كل شيء وبيده كل شيء، الذي له الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله .. ، وهو الله سبحانه وتعالي. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) .
إذن نحن أثبتنا له - سبحانه - الوحدانية، أثبتنا له، أنه هو الواحد في ذاته وفي أفعاله وصفاته .. وهذا القسم الآخر من التوحيد، هو الذي يسمَّى توحيد (المعرفة والاثبات) [1] .
إذن التوحيد الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أن يصبح هذا الإنسان في كل حركاته - التي هي القصد والطلب -، أن يصبح في كل حركاته، (سَلَمَاً لرجلٍ) [2] ، سلماً لهذا الإله الواحد، لا يقصد في أفعاله إلا الله، ولا يطلب حاجاته إلا منه ..
(1) يکون توحيد المعرفة والإثبات قبل توحيد القصد والطلب، أي، الإنسان بعد أن عرف وعلم أن الله تعالي هو الواحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وله الکمال المطلق وبيده الأمر کله و .. ، بعد هذا، يقر بإختياره وبإرادته أنه"لايقصد بأفعاله وأعماله إلا الله ولا يطلب إلا من الله سبحانه وتعالي"، أي يتعهد بالتزام بتوحيد (القصد والطلب) ، وهذا التوحيد، هو الذي طلبه الأنبياء والرسل من الناس، بعد أن ذکَّروهم بتوحيد الله سبحانه وتعالي في ذاته وأفعاله وصفاته .. ، وکل هذه الأمور، نجدها في سورة الفاتحة، في أکمل صورة وأتم وأوجز بيان، حيث أن السورة في إبتدائها تبدأ بإثبات الوحدانية والکمال المطلق لله تعالي في ذاته وأفعاله وصفاته، حيث يقول عز من قائل:) الحمد لله رب العامين الرحمن الرحيم. مالک يوم الدين). فإثبات الحمد، لله تعالي، يدل بإجماله علي إثبات جميع صفات الکمال لله سبحانه ونفي جميع النقائص عنه جل جلاله. فإن الحمد - کما هو معروف - يتضمن مدح المحمود بصفات کماله ونعوت جلاله مع محبته والرضا عنه والخضوع له. و (ال) في (الحمد) ، تدل علي الإستغراق، أي:"جميع المحامد وأکملها"لله .. ، وأما ذکر الربوبية والرحمة والملک والإلهية، فعلي هذه الأربع مدار جميع الأسماء والصفات .. ، فالمتدبر في هذه الآيات الثلاث، يصل إلي کمال المعرفة لکمال وحدانية الله جل حلاله في ذاته وأفعاله وصفاته، فيثبته له .. ، والعاقل، بعد هذا النظر والتدبر والمعرفة، لا يستطيع إلا أن يقول:"يا رب، إذن، أنا عبدٌ لک، وأعاهدک أن لا أقصد بأعمالي إلا إياک وأن لا أطلب إلا منک، فأشهد أن لا إله إلا الله"..
وهذا هو الذي جاء بعد هذه الآيات الثلاث، حيث أن الله تعالي يعلِّمنا، - بعد فهمنا لهذه الآيات الثلاث - أن نوحِّده بالعبادة ونقول له سبحانه: (إياک نعبد وإياک نستعين) .. ، فهذه الآية - حقاً - هي خلاصة رسالة الأنبياء التي هي (أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ..
(2) قال تعالي: (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شرکاء متشاکسون، ورجلاً سلماً لرجلٍ، هل يستويان مثلاً، الحمد لله بل أکثرهم لا يعلمون) الزمر 29.