فهرس الكتاب
الصفحة 132 من 224

هنا، نتوقف عند نقطة مهمة، قبل أن أطيل موضوع الأشاعرة. وهو أن بعض الناس يظن أن، هذا الكلام، والحديث والكلام في هذا الموضوع. قد فات وذهب زمنه، واندثر أثره ولا قيمة للعودة إليه، فما هو قيمة الحديث عن هذا الموضوع؟ قيمة الحديث عن هذا الموضوع، هو أن هذه الموضوعات التي نذكرها، هذه، صراعات داخلية تشكلت في تاريخنا وأفرزت عقليةً معينةً، نعيش بها في هذا العصر ونتحرك من خلالها، عقلية صبغت أذهان آباءنا وأجدادنا وعلماءنا وكذلك صبغت أذهاننا وأذهان علماءنا في هذا الزمان، فنحن بحاجة أن نكتشفها، أن نعرفها، حتّى نعرف من أين يؤتى الخلل، لماذا نحن"كلٌّ على مولاه"لماذا؟ ما هو السبب، أننا في هذه الدرجة من الخذلأن، وقطعاً أن هذا الخذلان الذي نعيشه، بسبب جهلنا. ماهي صور الجهل لدينا؟ من أين اوتينا؟ .. فبحاجة أن نعرفها، وإلا بعد ذلك نصبح نخاصموا الألوان والأطياف من غير تحديد لأساس المشكلة وأساس المشاكل. فإذا لم تحدد المسألة ولم نعرف أسسها ومشاكلها، وإلا بعد ذلك نحن في حيرة في أمرنا ..

ويكفي أن نصل إلى أن نعرف أن عامة مشايخ هذا الزمان الذين تخرّجوا من المدارس الرسمية والشرعية المعاصرة، وكذلك التي لها زمن مائتين وثلاث مائة سنة، عندهم، مثل هذه العقائد التي نتكلم عنها، بمثل هذا الإنحراف الخطير الذي نعيشه ونلمسه، فما هو السبب أن نقول، أو أن يطرأ على أذهاننا، خطورة:"ما قيمة هذا الحديث".. ؟"ما اهمية هذا الكلام"؟ هذا غريب أن يطرأ على عقول بعض الناس"ماقيمة هذا الحديث"..

له من الأهمية، خطيرة التي نراها، ونحن قد اكتشفنا أن صورةً من صور تعطيل إرادة البشر في عملها، وأثرها في الحياة، أتت بنا إلى الخمول والكسل وإلى تعطيل إرادتنا، بحيث نُقبِل على الحياة، فنستفيد منها، فنصبح أسياداً للدنيا ..

و كذلك تعطيل الإرادة من جهة الشرع، عَطَّلت لدينا، صار المسلم .. الآن، لماذا الناس، حتّى العوام .. بعض الناس يقول أن العوام ليس عندهم مثل هذه العقائد، نقول:"لا، عندهم هذه العقائد"، أبي، وجدي وأبوك وجدك، يقولون بمثل هذه العقائد، ولا يرون أي عمل من الأعمال التي يقومون بها، مناقضاً للإسلام. لا يرون أن العمل له قيمة في حياتهم. يرون أن قضية القدر، قضية مُسَير بها، - مثل أمثلة التي ذكرناها في الدروس الماضية - .. الخمول الذي أصبنا، الكسل، ترك الطاعات، الإقبال على المعاصي، الدخول في طوائف الكفر، ونحن لا نراها شركاً، ولانراها معصيةً، كما تبين لنا، .. ويقول بعض الناس ما قيمة الحديث عن هذا!؟

التحسين والتقبيح العقلي، حديث العقل، هل له قيمة عند مشايخ هذا الزمان؟ إذا خاطبته بالعقل، قفز إلى الشرع مُؤوِّلاً إياه ومُفسِّراً له على طريقة الخمول التي تَبَينت لنا من تفسير كلمة التقوى والعبادة، - كما ضربنا بعض الأمثلة السابقة - ..

و إذا خاطبناه بتفسير السلف، قفز إلى العقل، ظاناً أن العقل على خلاف النقل ..

هذا واقعٌ نعيشه .. فكيف تريد أن تهتدي بهدي الشرع الحنيف وأنت لم تعرف مواطن الخلل ومواطن الضعف ومواطن العجز ومواطن الجهل التي تعيشه أمتنا؟! .. فهذا لابدّ أن نفهمه، أنَا لا أَبْني في الدورات الشرعية، لا أبني المعلومات، أنا لا يهُمُّني أن تُصبح أنت مُسَجِّلاً تحمل كمِّيةً من المعلومات، هذا لا يهمني أنا، ولا أسعى إليه ولم أسعى إليه يوماً قط بأن تصبح أنت مجرد مسجلاً تحوي مجموعة من المعلومات، أنا أريد أن أحرر، فقط أريد أن أصنع عقليةً عمليةً صحيحةً، تهتدي بالألفاظ الشرعية على فهم السلف الصالح. أريد أن أصنع قاعدة، حتّى لو كنت أنت بعد ذلك مقلداً في مسائلك، لكن يكون لك عقلاً تهتدي به، وأقل شيء أن يكون لك

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام