فهرس الكتاب
الصفحة 125 من 224

رأيتم المصيبة والطامة؟ رأيتم إلى أين تُؤدي هذه؟ ..

والآن سترون في واقع أمتنا، كما رأيتم واقع أمتنا في الكسب والجوهر والعرض، ترون واقع أمتنا عند مشايخ هذا الزمان، ..

نأتي إلى مذهب أهل السنة والجماعة في (التحسين والتقبيح) :

عندنا: القبح والحسن، خلقيان، أي الحسن والقبح موجودان في أساس الأشياء وفي ذات الشيء .. مثلاً البول، في أصله - قبل ورود الشرع - قبيح؟ نعم، بل انظروا إلى قوله عزوجل: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) الأعراف 157.

العرب هل تعرف ما هي الخبائث والطيبات؟ نعم. فلذلك ماكان تستقبحه العرب فهو قبيح في الشرع، وماكان تستحسنه العرب فهو حسن، فلذلك لو واحد جاءك الآن وقال لك ماهو دليل عدم جواز أكل"الصراصير"؟ قل له: العرب تراه خبيثاً، هذا دليل، وهو دليل صحيح، لأن الله خاطبهم فقال: (اليوم أُحِلَّ لكم الطيبات .. ) المائدة (5) .

فما كان عندهم طيباً، فيحل لهم، وماكان خبيثاً، فهو محرم، إلا ما اختلف لديهم، فجاء الشرع بتحريمه وقال: هذا خبيث، وأنتم لم تكتشفوا خبثه، أو عرفتم خبثه ولكن دفعتكم الهوى إلى أن تخالفوا هذا الأمر للشهوة، فأخذتم به ..

إذن، الحُسن والقُبح، في أصل وذات الشيء ..

طيب! هل ممكن للعقل أن يكتشفهما؟ نعم ممكن. إذن العقل، ممكن أن يكتشف الحسن والقبح، ويستقل بمعرفته فيرى هذا حسناً وهذا قبيحاً ..

ثانياً: الأجر والوزر - عند أهل السنة والجماعة - شرعيان، وليستا عقليين، لأن الله مع علمه بأن الناس يعرفون قبح الشيء وحسنه، - ولكن في شرعه - ان الناس لايأثمون إلّا بعد ورود الشرع (وما كنا معذبين حتّى نبعث رسولا) الأسراء 15.

لكن هنا - للذكر -، لمّا راح إنسان وشرب الدم، - الدم حرام شرعاً، وهو كذلك قبيح خَلقاً، فجاء الشارع لتعريفنا بقبحه، الشارع جاء ليقول لنا هذا قبيح، ورتب على هذا الأمر أجراً ووزراً، بالطاعة والمعصية، فهو قبيح بمعنى مضر -، الآن، فلو شرب الرجل الدم، هل أثره القدري لا يقع إلا بعد ورود الشرع، أم بورود الشرع وبغير ورود الشرع؟ بوروده وبغير وروده، يعني، بمعنى الناس ما كانوا تغيب عقولهم بالسكر إلا بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم بأن الخمر حرام؟ هل هذا صحيح؟ لا، الناس كانوا يسكرون قبل الشرع وبعد الشرع .. فَفَرِّقوا بين الأمرين. فالأمر القدري، واقع قبل الشرع وبعده .. السنة التكوينية لا تحابي حتّى النبي صلى الله عليه وسلم (ولن تجد لسنة الله تبديلاً) الأحزاب (33) .. لكن الشرع قد يتغير .. أنت الآن حرامٌ عليك الخمر، لكن إذا صرتَ مضطراً، مثل ما ذكره بعض الفقهاء - كما ذكره العز بن عبدالسلام في"قواعد الأحكام" [1] -، ممكن للرجل إذا غَصَّته اللقمة، فكاد أن يموت، ففي هذه الحالة يجوز له أن يذهِب غصتها بالخمر، فصارت جائزاً لهذا

(1) انظر قواعد الأحکام، {فصل في بيان تخفيفات الشرع} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام