فهرس الكتاب
الصفحة 124 من 224

نرجع إلى صورةٍ أخرى من صور عقائد الأشاعرة، - تكلمنا عنها قليلاً، ولكن لابدّ من التفصيل فيها -، وهي"التحسين والتقبيح".

"التحسين والتقبيح"، عند المعتزلة، بالعقل .. هذا الكلام، مقبول منهم، يعني ممكن إدراك الشيء بالعقل، لكن الطامة الكبرى عندهم، {العقل هو الذي يحسن ويقبح، بمعني، بعد أن اكتشفت الحُسن والقُبح، فالحَسَن، يقول عنه"حلال"والقبيح، يقول عنه"حرام"} ، إذن عندهم، الرجل آثمٌ بالعقل. إذن التحسين والتقبيح، عندهم عقليان، وكذلك الأجر والوزر ماذا؟ كذلك عقليان. - عندهم، ها! -. ولذلك يفسرون قوله سبحانه وتعالي: (وماكنا معذبين حتّى نبعث رسولاً) [1] ، ماهو الرسول عندهم؟ العقل ..

حتّى - عندهم - الله سبحانه وتعالي، لا يستطيع أن يفعل، إلا ما حسنه وقبحه العقل كما ذكرنا لكم، يعني الله سبحانه وتعالى - لا بستطيع أن يفعل الغلط، وما الغلط - هذا - عندهم؟ ومَن الذي يعَرِّفنا الغلط؟ هو العقل! فهمتم؟ هذه المعتزلة وعقيدتها في التحسين والتقبيح، واضحة لديكم ..

الأشاعرة، كما رأيتم، التحسين والتقبيح، عندهم بالشرع، فالشيء، لا يعرف حسنه، ولا يعرف قبحه - عندهم -، إلا بالشرع، وكذلك بعد ذلك، لا يأثم الرجل ولا يؤجر، إلا بعد ورود الشرع ..

ماذا ترتب على هذا الكلام؟ بلا شك أن المعتزلة ضلالهم واضح، لأنهم يأثمون الناس قبل بعثة الأنبياء .. نعم! أن الإنسان يكتشف بعقله - مثلاً - أن البول قبيح، ويكتشف أن الماء، حسن، ويكتشف .. ، العقل، يكتشف ذلك. لكن أن يأتي ويعاقب الإنسان، قبل ورود الشرع، هذا لم يرد به النص، وهو خلاف الدين ..

الأشاعرة أين مصيبتهم؟ تبين لنا في كلامهم في قضية الجوهر والعرض، أن الشيء لا يحمل حسناً ولا قبحاً، إلا بعد ورود الشرع، فإذا أحل الشارع شيئاً صار حسناً، وإذا حرم الشارع شيئاً صار قبيحاً. أما قبله، فالكل عندهم جواهر واحد ..

يترتب على هذا المعتقد، .. إذن جاز لله أن يأمر بالمنكر الذي نهيا عنه قبل ذلك فيكون معروفاً، إذن جاز لله أن يقول للناس اظلموا بعضكم بعضاً، وبعد هذا يكون الظلم حسناً!! .. لأن الظلم لا يعرف حسنه ولا قبحه إلا بعد ورود الشارع، وإن الظلم والعدل في حقيقتها واحد، لأنه لا فرق .. ولا يعرف الظلم من العدل إلا بعد ورود الشرع، وبعد ذلك يكون الظلم قبيحاً والعدل حسناً ..

إذن أجازوا على الله أن يأمر بالظلم، فإذا أمر به صار حسناً، وجوزوا .. - هذا كلامهم ها!، هم .. هذه الزامات، ألزمهم الناس بها، فأقرُّوها، قالوا: نعم يجوز لله، فإذا أمر الله بالزنا، صار حسناً وإذا أمر الله بالظلم صار حسناً، وإذا أمر الله بعقوق الوالدين صار حسناً، ..

يجعلون حقيقة التوحيد والشرك واحدة ولكن التوحيد أمر الشرع به فصار حسناً، والشرك نهي الشرع عنه فصار قبيحاً .. فصار الخلاف بين التوحيد والشرك، فقط لورود الشرع!

(1) الأسراء (15) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام