فهرس الكتاب
الصفحة 121 من 224

إذن لِمَ أحل الله الماء وحرم الخمر، وهما - كما تزعمون - في الحقيقة واحد؟ لماذا؟ - قالوا - لا لحقيقته، لا خلاف بين حقيقة الماء والخمر والبول و .. ، كلها على الحقيقة واحد، وإنما جاءت التحليل والتحريم بالشرع، الشرع قال لنا، هذا حلالٌ، فصار بذلك، حسناً، وقال لنا هذا حرام، فصار هذا قبيحاً، لأن الحقائق واحدة، فالجواهر في حقيقتها واحدة ..

جاؤوا لمسألة أخطر من ذلك، .. قال لهم الناس، - البسطاء، أمثالنا! - قالوا لهم: يا جماعة! لكن النار تحرق، والماء يروي، والطعام يشبع، فلو أكل الرجل طعاماً، لما ارتوي، ولو نام على التراب، لاستراح، ولو نام على النار، لاحترق، ولو نام على الماء لغرق .. وهي في الحقيقة - كما تزعمون - واحدة، .. فكيف يكون هذا الإختلاف في الصفات وفي الآثار .. ؟ كيف؟!

قالوا: هذه الأفعال التي تتم بهذه المواد، لاتتم بها، ولكن تتم عندها!. إذا وجدت النار، وجد الحرق. لكن ليس بالنار يحصل الإحتراق! لأنه في الحقيقة، واحدة! وليس بالماء يحصل الرِّي! لكن إذا وجد الماء تحصل إرادة الله بأن هذا الشيء الذي يشبه النار، يحصل به الإرواء إذا كان ماءً!! فهمتم؟!

الله عزوجل يقول: (وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي) الأنبياء (30) . إذن الماء فيه الحياة. الماء ذاته فيه الحياة؟ .. الأشاعرة قالوا: من قال أن الشيء بذاته فيه القدرة على العمل والتأثير، فهو مذهب من مذاهب الطبائعيين، وهو كافر! .. [1]

لكن نقول لهم: أن الشيء في ذاته القدرة على الفعل والتأثير، ولانقول أن بذاته، أو بنفسه أوجدها، ولكن الله أوجده، بل لا يمكن أن يحدث شيء، أو يحدث أثر هذه القدرة على غيره وفي الحياة، في كل حالةٍ إلا بإرادة الله، لأنه قديتخلف الأثر - أو المسبَّب -، مع وجود الشيء، أو مع وجود السبب، وهذا سنتكلم عنه في موضوع القضاء والقدر ..

إذن في النهاية كل شيءٍ واحد .. طيب! .. إذن - عندهم -، الجواهر، في النهاية، العلاقة بينها، جوهر جنب جوهر جنب جوهر .. ، كوَّنت المادة. العلاقة بين الجواهر، ليست علاقة تفاعل، ولكن علاقة جوار، .. إذن - كما نرى -، الفيل ذرات - أو جواهر -، والنملة ذرات، لأي شيء ولماذا، الفيل أكبر؟ قالوا: لأن الذرات في الفيل أكثر من الذرات في النملة!، .. فلماذا

(1) کما ترون، أن الأشاعرة قائلون بأن طبائع الأشياء، لا أثر لها البتة، وأنه لا توجد في الأشياء قوي وطاقات کامنة، بمعني أن النار ليس فيها قوة إحراق، وأن ما يشاهده الإنسان من إحتراق، إنما هو عادة وإلف، وليس ناتجاً عن قوة في النار، وهلمّ جرا .. هذه هي عقيدة التي تسمي عند الأشاعرة بعقيدة"العادة".. وفي البحث عن أسباب تشکيل هذه العقيدة عند الأشاعرة، قال العلماء: ربما جاء رد فعل لقول الطبائعيين، القائلين بأن الطبيعة هي الخالقة .."، فحاول الأشاعرة سحب البساط منهم والقول بمنع فعل الطبيعة وهنا سقط في أيديهم، وجاءت أقوالهم بعيدة عن منطق القرآن الذي يثبت الأثر والعمل بدون استقلالية، فالخالق هو الله باستقلال، دون أشياء الطبيعة، التي تفعل، ولکن بإذن من الله تعالي. والقرآن الکريم. مملوء بإثبات الأسباب، وإثبات آثار وأفعال الأشياء - بإذن من الله تعالي - کما في قوله تعالي: ( .. فسقناه إلي بلدٍ ميتٍ، فأنزلنا به الماء، فأخرجنا به من کل الثمرات) الأعراف 57 .. وقال سبحانه (فأحيا به الأرض بعد موتها) البقرة 164 .. والنحل 65 والجاثية 5 و .. راجعوا کتاب"عقيدة العادة عند الأشاعرة"للدکتور: جابر السميري. فإنه کتاب مفيد جداً في هذا الموضوع."

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام