وكذلك نُقِلَ عن الشافعيّ أَنَّه سُئِل عمَّن هَزَلَ بشيءٍ من آياتِ الله تعالى أَنَّه قال: هو كافرٌ ، واستدلَّ بقول الله تعالى: { قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ؟ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (1) } وكذلك قال أصحابنا وغيرهم: من سبَّ الله كفر، سواءً كان مازحاً أو جادَّاً لهذه الآية وهذا هو الصواب المقطوع به …. ويجب أَنْ يعلم أَنَّ القول بأَنَّ كفر السَّابِّ في نفس الأمر إِنَّما هو لاستحلاله السبَّ زلَّة منكَرةٌ وهفوةٌ عظيمةٌ … وذلك من وجوه:
أحدها: أَنَّ الحكاية المذكورة عن الفقهاء أَنَّه إِنْ كان مستحلاًّ كفر، وإلاَّ فلا ، ليس لها أصلٌ ، وإِنَّما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلِّمين الذين نقلوها عن الفقهاء ، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنُّوه جارياً على أصولِهم ، أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعدُّ قوله قولاً ، وقد حكينا نصوص أئمة الفقهاء وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم ، فلا يظنُّ ظانٌ أَنَّ في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد ، وإِنَّما ذلك غلطٌ ، لا يستطيع أحدٌ أَنْ يحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمةَ الفتْوى هذا التفصيل البتَّةَ .
الوجه الثاني: أَنَّ الكفر إذا كان هو الاستحلال فإِنَّما معناه اعتقاد أَنَّ السبَّ حلالٌ ، فإِنَّه لمَّا اعتقد أَنَّ ما حرَّمه الله تعالى حلالٌ كفَرَ ، ولا رَيْبَ أَنَّ من اعتقد في المحرَّمات المعلوم تحريمها أَنَّها حلال كفر ، لكن لا فرق في ذلك بين سبِّ النَّبيِّ وبين قذف المؤمنين والكذب عليه والغِيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أَنَّ الله حرَّمها ، فإِنَّه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاًّ كفرٌ ، مع أَنَّه لا يجوزُ أَنْ يُقال: مَنْ قذفَ مسلماً أو اغتابه كفر ، ويعني بذلك إذا استحلَّه .
(1) سورة التوبة: 65 ، 66 .