(( ففي هاتين الآيتين الكريمتين مع بيان سببِ نزولهما دليلٌ واضحٌ على كفر من استهزأ بالله ، أو رسولِه ، أو آيات الله ، أو سنَّة رسوله ، أو بصحابة رسولِ الله ، لأنَّ من فعل ذلك فهو مستخفٌّ بالرُّبوبيَّة والرِّسالة وذلك منافٍ للتَّوحيد والعقيدة ، ولو لم يقصِد حقيقة الاستهزاء، ومن هذا الباب الاستهزاءُ بالعلم وأهله وعدمُ احترامهم أو الوقيعةُ فيهم من أجل العلم الذي يحملونه ، وكون ذلك كفرٌ ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء ؛ لأنَّ هؤلاء الِّذين نزلت فيهم الآيات جاءوا معترفين بما صدَر منهم ومعتذرين بقولهم: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } أي لم نقصد الاستهزاء والتَّكذيب وإنَّما قصدنا اللَّعِب ، واللَّعِب ضد الجدِّ فأخبرهم الله على لسان رسوله ? أنَّ عذرَهم هذا لا يغني من الله شيئاً ، وأنَّهم كفروا بعد إيمانِهم بهذه المقالة الَّتي استهزءوا بها ، ولم يقبل اعتذارَهم بأنَّهم لم يكونوا جادِّين في قولهم ، وإنَّما قصدوا اللَّعِب ولم يزِدْ ? في إجابتهم على تلاوةِ قول الله تعالى: { أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } (1) ؛ لأنَّ هذا لا يدخله المزح واللَّعِبُ ، وإنَّما الواجب أنْ تُحْتَرم هذه الأشياءُ وتُعظَّم ، وليخشع عند آياتِ الله إيماناً بالله ورسوله وتعظيماً لآياته . والخائض الَّلاعب منتقصٌ لها … قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: فقد أخبر أنَّهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنَّما تكلَّمْنا بالكفر من غيرِ اعتقادٍ له ، بل إنَّما كنَّا نخوضُ ونلعب ، وبيَّن أنَّ الاستهزاء بآياتِ الله كفرٌ ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام ، ولو كان الإيمان في قلبه لمنعَه أنْ يتكلَّم بهذا الكلام ، والقرآن يبيِّن أنَّ إيمانَ القلب يستلزم العملَ الظَّاهر بحسبه )) (2)
(1) سورة التوبة: 65-66.
(2) "الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد" (ص 80-81) . دار الذخائر ط 1414هـ.