[75] إِلّا أحْصاها» [1] والإحصاء انما يكون بالسؤال والمجازاة، الى غير ذلك من الآيات والأحاديث.
وذهب بعض المعتزلة: الى أنه اذا اجتنب الكبائر، لم يجز تعذيبه، لا بمعنى أنه يمتنع عقلا، بل بمعنى أنه لا يجوز أن يقع لقيام الأدلة السمعية على أنه لا يقع. لقوله تعالى: «إِنْ تجْتنِبُوا [2] كبائِر ما تُنْهوْن عنْهُ، نُكفِّرْ عنْكُمْ سيِّئاتِكُمْ» واجيب: بأن الكبيرة المطلقة هى الكفر، لأنه الكامل فى جميع الاتم [3] . بالنظر الى أنواع الكفر، وان كان الكل ملة واحدة فى الحكم، أو الى أفراده القائمة بأفراد المخاطبين، على ما تمهد من قاعدة أن مقابله الجمع بالجمع، تقتضى انقسام الآحاد بالآحاد، كقولنا: ركب القوم دوابهم، ولبسوا ثيابهم.
(والعفو عن الكبيرة) هذا مذكور فيما سبق، الا أنه أعاده، ليعلم أن ترك المؤاخذة على الذنب، يطلق عليه لفظ العفو، كما يطلق عليه لفظ المغفرة، وليتعلق به قوله: (اذا لم تكن عن استحلال، والاستحلال كفر) لما فيه من التكذيب المنافى للتصديق. وبهذا تؤول النصوص الدالة على تخليد العصاة فى النار أو على سلب اسم الايمان عنهم (والشفاعة ثابتة للرسل والاخيار، فى حق أهل الكبائر) بالمستفيض من الأخبار، خلافا للمعتزلة. وهذا مبنى على ما سبق من جواز العفو والمغفرة بدون الشفاعة، فبالشفاعة أولى. وعندهم:
لما لم يجز، لم تجز [4] .
لنا: قوله تعالى: «واسْتغْفِرْ لِذنْبِك، ولِلْمُؤْمِنِين والْمُؤْمِناتِ» [5] وقوله تعالى: «فما تنْفعُهُمْ شفاعةُ الشّافِعِين» [6] فان اسلوب هذا الكلام يدل على ثبوت الشفاعة فى الجملة. والا لما كان لنفى نفعها عن الكافرين عند القصد الى تقبيح حالهم وتحقيق بأسهم: معنى.
لأن مثل هذا المقام يقتضي أن يوسموا بما يخصهم لا بما يعمهم وغيرهم. وليس المراد أن تعليق الحكم بالكافر يدل على نفيه عما
(1) الكهف 49
(2) النساء 31.
(3) وجمع الاسم: ط.
(4) لم يخبر: خ.
(5) محمد 19
(6) المدثر 48