[28] أن العالم محدث، ومعلوم أن المحدث لا بد له من محدث، ضرورة امتناع ترجح أحد طرفى الممكن من غير مرجح، ثبت أن له محدثا.
(والمحدث للعالم هو الله تعالى) أى الذات الواجب الوجود، الّذي يكون وجوده من ذاته، ولا يحتاج الى شيء أصلا، اذ لو كان جائز الوجود، لكان من جملة العالم، فلم يصلح محدثا للعالم ومبدئا له، مع أن العالم اسم لجميع ما يصلح علما على وجود مبدئ له. وقريب من هذا ما يقال: ان مبدئ الممكنات بأسرها لا بد أن يكون واجبا اذ لو كان ممكنا لكان من جملة الممكنات، فلم يكن مبدئا لها. وقد يتوهم أن هذا دليل على وجود الصانع من غير افتقار الى ابطال التسلسل. وليس كذلك، بل هو اشارة الى أحد أدلة بطلان التسلسل. وهو أنه لو ترتبت سلسلة الممكنات لا الى نهاية لاحتاجت الى علة، وهى لا يجوز أن تكون نفسها ولا بعضها، لاستحالة كون الشيء علة لنفسه ولا لعلله، بل خارجا عنها، فتكون واجبا، فتنقطع السلسلة.
ومن مشهور الأدلة: برهان التطبيق. وهو أن تفرض من المعلول الأخير الى غير النهاية جملة. ومما قبله بواحد مثلا إلى غير النهاية جملة أخرى [1] . ثم تطبق الجملتين بأن تجعل الأول من الجملة الأولى بإزاء الأول من الجملة الثانية، والثانى بالثانى. وهلم جرا، فان كان بإزاء كل واحد من الاولى واحد من الثانية، كان الناقص كالزائد. وهو محال. وان لم يكن فقد وجد فى الأولى، ما لا يوجد بإزائه شيء من الثانية، فتنقطع الثانية وتتناهى. ويلزم منه تناهى الأولى لأنها لا تزيد على الثانية الا بقدر متناه، والزائد على المتناهى بقدر متناه يكون متناهيا بالضرورة.
وهذا التطبيق انما يكون فيما دخل تحت الوجود دون ما هو وهمى محض. فانه ينقطع بانقطاع الوهم. فلا يرد النقض بمراتب العدد بأن يطبق جملتان، احداهما من الواحد لا الى نهاية. والثانية من الاثنتين لا الى نهاية. ولا بمعلومات الله تعالى ومقدوراته، فان الأولى أكثر من الثانية مع لا تناهيهما. وذلك
(1) ثم: ط.