[29] لأن معنى لا تناهى الأعداد والمعلومات والمقدورات: أنها لا تنتهى الى أحد لا يتصور فوقه آخر، لا بمعنى ان ما لا نهاية له يدخل تحت الوجود. فانه محال.
الواحد
(الواحد) يعنى: أن صانع العالم واحد، ولا يمكن أن يصدق مفهوم واجب الوجود، الا على ذات واحدة. والمشهور فى ذلك بين المتكلمين: برهان التمانع المشار إليه بقوله تعالى: «لوْ كان فِيهِما آلِهةٌ إِلّا اللهُ لفسدتا» [1] وتقريره: أنه لو أمكن إلهان لأمكن بينهما تمانع بأن يريد أحدهما حركة «زيد» [2] والآخر سكونه، لأن كلا منهما فى نفسه أمر ممكن. وكذا تعلق الإرادة بكل منهما. اذا لا تضاد بين الارادتين، بل بين المرادين، وحينئذ اما أن يحصل الأمران، فيجتمع الضدان، أو لا فيلزم عجز أحدهما وهو أمارة الحدوث والامكان، لما فيه من شائبة الاحتياج.
فالتعدد مستلزم لامكان التمانع، المستلزم للمحال، فيكون محالا.
وهذا تفصيل ما يقال: ان أحدهما ان لم يقدر على مخالفة الآخر، لزم عجزه، وان قدر، لزم عجز الآخر وبما ذكرنا يندفع ما يقال:
انه يجوز أن يتفقا من غير تمانع، أو أن تكون الممانعة والمخالفة غير ممكنة، لاستلزامها المحال. أو أن يمتنع اجتماع الارادتين كارادة الواحد حركة «زيد» وسكونه معا.
واعلم [3] : أن قول الله تعالى «لوْ كان فِيهِما آلِهةٌ إِلّا اللهُ لفسدتا» حجة اقناعية. والملازمة عادية على ما هو اللائق بالخطابيات، فان العادة جارية بوجود التمانع والتغالب عند تعدد الحاكم، على ما أشير إليه بقوله تعالى: «ولعلا بعْضُهُمْ على بعْضٍ» [4] . والا فان أريد الفساد بالفعل أى خروجهما عن هذا النظام المشاهد، فمجرد التعدد لا يستلزمه. لجواز الاتفاق على هذا النظام المشاهد. وان أريد امكان الفساد، فلا دليل على انتفائه، بل النصوص شاهدة، بطى السموات، ورفع هذا النظام، فيكون ممكنا لا محالة.
لا يقال الملازمة قطعية. والمراد بفسادهما: عدم تكونهما،
(1) الأنبياء: 22
(2) كلمة (زيد) تمثيل الايضاح.
(3) واعلم: ط.
(4) المؤمنون 91