[49] نعم اذا أثبتنا صدور العالم عن الصانع بالاختيار دون الايجاب [1] ، بدليل لا يتوقف على حدوث العالم، كان القول بتعلق وجوده بتكوين الله تعالى، قولا بحدوثه. ومن هاهنا يقال التنصيص على كل جزء من أجزاء العالم، اشارة الى الرد على من زعم قدم بعض الأجزاء، كالهيولى. والا فهم انما يقولون بقدمها بمعنى عدم المسبوقية بالعدم، لا بمعنى عدم تكونه بالغير والحاصل: أنا لا نسلم أنه لا يتصور التكوين بدون وجود المكون، وأن وزانه معه كوزان الضرب مع المضروب. فان الضرب صفة اضافية لا يتصور بدون المضافين، أعنى الضارب والمضروب. والتكوين صفة حقيقية، هى مبدأ الاضافة التى هى اخراج المعدوم من العدم الى الوجود، لا عينها. حتى لو كانت عينها على ما وقع فى عبارة المشايخ، أكان القول بتحققها بدون المكون، مكابرة وانكارا للضرورى، فلا يندفع بما يقال من أن الضرب عرض مستحيل البقاء، فلا بد لتعلقه بالمفعول ووصول الألم إليه من وجود المفعول معه، اذ لو تأخر لانعدم، وهو بخلاف فعل البارى، فانه أزلى واجب الدوام، يبقى الى وقت وجود المفعول.
سبحانه تعالى غير المكون
(وهو غير المكون عندنا) لأن الفعل يغاير المفعول بالضرورة، كالضرب مع المضروب والأكل مع المأكول، ولانه لو كان نفس المكون، لزم أن يكون المكون مكونا مخلوقا بنفسه، ضرورة أنه مكون بالتكوين، الّذي هو عينه فيكون قديما مستغنيا عن الصانع، وهو محال. وأن لا يكون للخالق تعلق بالعالم، سوى أنه أقدم منه وقادر عليه من غير صنع وتأثير فى [2] . ضرورة تكونه بنفسه.
وهذا لا يوجب كونه خالقا (والعالم مخلوقات له) [3] فلا يصح القول بأنه خالق العالم وصانعه. هذا خلف. وأن لا يكون الله تعالى مكونا للأشياء، ضرورة أنه لا معنى للمكون، الا من قام به التكوين. والتكوين اذا كان غير المكون لا يكون قائما بذات الله تعالى، وأن يصح القول بأن خالق سواد هذا الحجر أسود. وهذا الحجر خالق السواد. اذ لا معنى للخالق والأسود الا من قام به
(1) الايجاد: خ.
(2) فيه: ط.
(3) وكون العالم مخلوقا: خ.