فهرس الكتاب
الصفحة 65 من 112

[68] واعلم: أنه لما كان أحوال القبر مما هو متوسط بين أمر الدنيا والآخرة، أفردها بالذكر، ثم اشتغل ببيان حقيقة الحشر، وتفاصيل ما يتعلق بأمور الآخرة. ودليل الكل: انها أمور ممكنة أخبر بها الصادق ونطق بها الكتاب والسنة، فتكون ثابتة. وصرح بحقيقة كل منهما تحقيقا وتوكيدا واعتناء بشأنه، فقال: (والبعث) وهو أن يبعث الله تعالى الموتى من القبور، بأن يجمع أجزاءهم الأصلية ويعيد الأرواح إليها (حق) لقوله تعالى: «ثُمّ إِنّكُمْ يوْم الْقِيامةِ تُبْعثُون» [1] وقوله تعالى: «قُلْ يُحْيِيها الّذِي أنْشأها أوّل مرّةٍ» [2] الى غير ذلك من النصوص القاطعة الناطقة بحشر الأجساد.

وأنكر الفلاسفة. بناء على امتناع اعادة المعدوم بعينه، وهو مع أنه لا دليل لهم عليه [3] يعتد به، غير مضر بالمقصود. لأن مرادنا: أن الله تعالى يجمع الأجزاء الأصلية للانسان، ويعيد روحه إليه، سواء سمى ذلك اعادة المعدوم بعينه، أو لم يسم. وبهذا يسقط ما قالوا: انه لو أكل انسان انسانا، بحيث صار جزءا منه، فتلك الأجزاء اما أن تعاد فيهما. وهو محال، أو فى أحدهما، فلا يكون الآخر معادا، بجميع أجزائه. وذلك لأن المعاد انما هو الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر الى آخره، والأجزاء المأكولة فضلة والآكل، لا أصلية.

فان قيل: هذا قول بالتناسخ، لأن البدن الثانى ليس هو الأول، لما ورد فى الحديث من أن أهل الجنة جرد مرد مكحلون [4] .

وأن الجهنى ضرسه مثل جبل أحد ومن هاهنا [5] قال من قال:

«ما من مذهب الا وللتناسخ فيه قدم راسخ» قلنا: انما يلزم التناسخ، لو لم يكن البدن الثانى، مخلوقا من الأجزاء الأصلية للبدن الأول، وان سمى مثل ذلك تناسخا، كان ذلك نزاعا فى مجرد الاسم. ولا دليل على استحالة اعادة الروح الى مثل هذا البدن، بل الأدلة قائمة على حقيته، سواء سمى تناسخا أم لا.

(والوزن حق) لقوله تعالى: «والْوزْنُ يوْمئِذٍ الْحقُّ» [6] والميزان

(1) المؤمنون 16.

(2) يس 79.

(3) عليه: ط.

(4) مكحلون: ط.

(5) وهكذا: خ ومن هاهنا: ط.

(6) الأعراف 8.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام