فهرس الكتاب
الصفحة 52 من 112

[55] ويكتفون بلفظ الموجد والمخترع، ونحو ذلك. وحين رأى الجبائى وأتباعه أن معنى الكل واحد، وهو المخرج من العدم الى الوجود، تجاسروا على اطلاق لفظ الخالق.

الأول: ان العبد لو كان خالقا لأفعاله لكان عالما بتفاصيلها، ضرورة ان ايجاد الشيء بالقدرة والاختيار، لا يكون الا كذلك.

واللازم باطل، فان المشى من موضع الى موضع، قد يشتمل على سكنات متخللة، وعلى حركات بعضها أسرع وبعضها أبطأ.

ولا شعور للماشى بذلك. وليس هذا ذهولا عن العلم. بل لو سئل عنها لم يعلم. وهذا فى أظهر أفعاله. وأما اذا تأملت فى حركات أعضائه فى المشى والأخذ والبطش، ونحو ذلك، وما يحتاج إليه من تحريك العضلات وتمديد الأعصاب، ونحو ذلك. فالأمر أظهر.

الثانى: النصوص الواردة فى ذلك. كقوله تعالى: «واللهُ خلقكُمْ وما تعْملُون» [1] أى عملكم على أن «ما» مصدرية لئلا يحتاج الى حذف الضمير، أو معمولكم على أن «ما» موصولة، ويشتمل الأفعال لأنا اذا قلنا: أفعال العباد مخلوقة لله تعالى أو للعبد؟ لم نرد بالفعل المعنى المصدرى، الّذي هو الايجاد والايقاع، بل الحاصل بالصدر الّذي هو متعلق الايجاد والايقاع، أعنى ما نشاهده من الحركات والسكنات مثلا، والذهول عن هذه النكتة قد يتوهم أن الاستدلال بالآية، موقوف على كون «ما» مصدرية. كقوله تعالى: «اللهُ خالِقُ كُلِّ شيْءٍ» [2] أى ممكن، بدلالة العقل (وفعل العبد شيء ممكن [3] . وكقوله تعالى: «أفمنْ يخْلُقُ كمنْ لا يخْلُقُ» [4] فى مقام التمدح بالخالقية، وكونها مناطا لاستحقاق العبادة.

لا يقال: فالقائل بكون العبد خالقا لأفعاله، يكون من المشركين دون الموحدين. لأنا نقول: الاشتراك هو اثبات الشريك فى الألوهية بمعنى وجوب الوجود، كما للمجوس، أو بمعنى استحقاق العبادة، كما لعبدة الأصنام. والمعتزلة لا يثبتون ذلك، بل لا يجعلون خالقية العبد كخالقية الله تعالى، لافتقاره الى الأسباب والآلات التى هى

(1) الصافات 96 والنص متشابه يحتمل الوقف على خلقكم. وما بعده جملة للتوبيخ.

(2) الرعد 16.

(3) سقط خ.

(4) النحل 17.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام