[56] بخلق الله تعالى، الا أن مشايخ ما وراء النهر، قد بالغوا فى تضليلهم فى هذه المسألة، حتى قالوا: ان المجوس أسعد حالا منهم، حيث لم يثبتوا الا شريكا واحدا، والمعتزلة أثبتوا شركاء لا تحصى.
واحتجت المعتزلة بأنا نفرق بالضرورة بين حركة الماشى وحركة المرتعش، وأن الأولى باختياره دون الثانية، وبأنه لو كان الكل بخلق الله تعالى، لبطل قاعدة التكليف [1] والمدح والذم والثواب والعقاب. وهو ظاهر. والجواب: ان ذلك انما يتوجه على الجبرية القائلين بنفى الكسب والاختيار، له أصلا. وأما نحن فنثبته على ما نحققه ان شاء الله تعالى.
وقد تتمسك بأنه لو كان خالقا لأفعال العباد، لكان هو القائم والقاعد والآكل والشارب والزانى والسارق الى غير ذلك. وهذا جهل عظيم لأن المتصف بالشيء من قام به ذلك الشيء لا من أوجده، أولا يرون أن الله تعالى هو الخالق للسواد والبياض وسائر الصفات فى الأجسام ولا يتصف بذلك؟ وربما يتمسك بقوله تعالى: «فتبارك اللهُ أحْسنُ الْخالِقِين» [2] «وإِذْ تخْلُقُ مِن الطِّينِ كهيْئةِ الطّيْرِ» [3] والجواب: ان الخلق هاهنا بمعنى التقدير (وهى) أى أفعال العباد (كلها بإرادته ومشيئته) قد سبق أنهما عندنا عبارة عن معنى واحد (وحكمه) لا يبعد أن يكون ذلك اشارة الى خطاب التكوين (وقضيته) أى قضائه. وهو عبارة عن الفعل مع زيادة أحكام.
ولا يقال: لو كان الكفر بقضاء الله تعالى، لوجب الرضا به، لأن الرضا بالقضاء [4] واجب، واللازم باطل، لأن الرضا بالكفر كفر لأنا نقول: الكفر مقضى لا قضاء، والرضا انما يجب بالقضاء دون المقضى. (وتقديره) وهو تحديد كل مخلوق بحده الّذي يوجد من حسن وقبح، ونفع وضر، وما يحويه من زمان ومكان، وما يترتب عليه من ثواب وعقاب. والمقصود: تعميم إرادة الله وقدرته لما مر من أن الكل بخلق الله تعالى. وهو يستدعى القدرة والإرادة لعدم الاكراه والاجبار.
فان قيل: فيكون الكافر مجبورا فى كفره، والفاسق فى فسقه،
(1) البطل التكليف: خ.
(2) المؤمنون 14.
(3) المائدة 110.
(4) بقضاء الله: خ.