[57] فلا يصح تكليفهما بالايمان والطاعة. قلنا: انه تعالى أراد منهما الكفر والفسق باختيارهما، فلا جبر، كما أنه تعالى علم منهما الكفر والفسق بالاختيار، ولم يلزم تكليف المحال. والمعتزلة أنكروا إرادة الله تعالى للشرور والقبائح، حتى قالوا [1] : انه تعالى أراد من الكافر والفاسق ايمانه وطاعته، لا كفره ومعصيته، زعما منهم أن إرادة القبيح قبيحة كخلقه وايجاده. ونحن نمنع ذلك بل القبيح كسب القبيح والاتصاف به. فعندهم يكون أكثر ما يقع من أفعال العباد، على خلاف إرادة الله تعالى. وهذا شنيع جدا [2] .
حكى عن «عمرو بن عبيد» أنه قال: ما الزمنى أحد مثل ما ألزمنى مجوسى كان معى فى السفينة. فقلت له: لم لا تسلم؟
فقال: لأن الله لم يرد اسلامى: فاذا أراد الله اسلامى أسلمت.
فقلت للمجوسى: ان الله تعالى يريد اسلامك، ولكن الشياطين لا يتركونك. فقال المجوسى: فأنا أكون مع الشريك الأغلب.
وحكى أن «القاضى عبد الجبار الهمدانى» دخل على «الصاحب ابن عباد» وعنده «الأستاذ أبو إسحاق الأسفرايني» فلما رأى الأستاذ. قال: سبحان من تنزه عن الفحشاء. فقال الأستاذ على الفور سبحان من لا يجرى فى ملكه الا ما يشاء.
والمعتزلة اعتقدوا أن الأمر يستلزم الإرادة، والنهى عدم الإرادة فجعلوا ايمان الكافر مرادا، وكفره غير مراد. ونحن نعلم أن الشيء قد لا يكون مرادا، ويأمر به. وقد يكون مرادا، وينهى عنه لحكم ومصالح يحيط بها علم الله تعالى، أو لأنه «لا يُسْئلُ عمّا يفْعلُ» [3] ألا ترى أن السيد اذا أراد أن يظهر على الحاضرين عصيان عبده، يأمره بالشيء، ولا يريده منه.
وقد يتمسك من الجانبين بالآيات. وباب التأويل مفتوح على الفريقين.
القول فى ان للعباد أفعالا اختيارية
(وللعباد أفعال اختيارية يثابون بها) ان كانت طاعة (ويعاقبون عليها) ان كانت معصية لا كما زعمت الجبرية من أنه لا فعل للعبد أصلا، وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة للعبد عليها
(1) قالوا: ط.
(2) وهذا شنيع جدا: سقط خ.
(3) الأنبياء 23.