فهرس الكتاب
الصفحة 55 من 112

[58] ولا قصد ولا اختيار. وهذا باطل، لأنا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة الارتعاش، ونعلم أن الأول باختياره دون الثانى، ولأنه لو لم يكن للعبد فعل أصلا، لما صح تكليفه، ولا ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله، ولا اسناد الأفعال التى تقتضى سابقية القصد والاختيار إليه على سبيل الحقيقة. مثل صلى وصام وكتب، بخلاف مثل طال الغلام، واسود لونه.

والنصوص القطعية تنفى ذلك. كقوله تعالى: «جزاءً بِما كانُوا يعْملُون» [1] وقوله تعالى: «فمنْ شاء فلْيُؤْمِنْ، ومنْ شاء فلْيكْفُرْ» [2] الى غير ذلك.

فان قيل: بعد تعميم علم الله تعالى وإرادته: الجبر لازم قطعا. لأنهما اما أن يتعلقا بوجود الفعل، فيجب أو بعدمه فيمتنع.

ولا اختيار مع الوجوب والامتناع. قلنا: يعلم ويريد أن العبد يفعله أو يتركه باختياره. فلا اشكال.

فان قيل: فيكون فعله الاختيارى واجبا أو ممتنعا. وهذا ينافى الاختيار. قلنا: ممنوع. فان الوجوب بالاختيار محقق للاختيار لا مناف له [3] . وأيضا: منقوض بأفعال البارى (جل ذكره لان علمه وارادته متعلقان بأفعاله، فيلزم أن يكون فعله واجبا عليه) [4] .

فان قيل: لا معنى لكون العبد فاعلا بالاختيار، الا كونه موجدا لأفعاله بالقصد والإرادة. وقد سبق: أن الله تعالى مستقل بخلق الأفعال وايجادها. ومعلوم أن المقدور الواحد لا يدخل تحت قدرتين مستقلتين. قلنا: لا كلام فى قوة هذا الكلام ومتانته، الا أنه لما ثبت بالبرهان أن الخالق هو الله تعالى. وبالضرورة ان لقدرة العبد وارادته مدخلا، فى بعض الأفعال، كحركة البطش دون البعض، كحركة الارتعاش، احتجنا فى النقض [5] عن هذا المضيق الى القول بأن الله تعالى خالق كل شيء [6] ، والعبد كاسب. وتحقيقه.

أن صرف العبد قدرته وارادته الى الفعل: كسب، وايجاد الله تعالى الفعل عقيب ذلك: خلق. والمقدور الواحد داخل تحت قدرتين،

(1) الواقعة 24.

(2) الكهف 29.

(3) له: خ.

(4) سقط خ.

(5) التقصى: ط.

(6) كل شيء: ط.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام