[71] بمنزلة العدم (باقيتان لا تفنيان، ولا يفنى أهلهما) أى دائمتان لا يطرأ عليهما عدم مستمر. لقوله تعالى فى حق الفريقين: «خالِدِين فِيها أبداً» [1] .
وأما ما قيل: من أنهما تهلكان، ولو لحظة، تحقيقا لقوله تعالى:
«كُلُّ شيْءٍ هالِكٌ إِلّا وجْههُ» فلا ينافى البقاء بهذا المعنى، على أنك قد عرفت أنه لا دلالة فى الآية على الفناء. وذهب الجهمية الى أنهما يفنيان، ويفنى أهلهما. وهو قول باطل مخالف للكتاب والسنة والاجماع، وليس عليه شبهة، فضلا عن حجة.
(والكبيرة) قد اختلفت الروايات فيها فروى عن ابن عمر رضى الله عنهما انها تسعة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وقذف المحصنة، والزنا، والفرار عن الزحف، والسحر [2] ، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والالحاد فى المحرم. وزاد أبو هريرة: أكل الربا. وزاد على رضى الله عنه السرقة، وشرب الخمر. وقيل: كل ما كانت مفسدته مثل مفسدة شيء مما ذكر، أو كثر منه. وقيل كل ما توعد عليه الشرح بخصوصه. وقيل:
كل معصية أصر عليها العبد فهى كبيرة. وكل ما استغفر عنها فهى صغيرة. وقال صاحب الكفاية: الحق أنهما اسمان اضافيان لا يعرفان بذاتيهما، فكل معصية اذا أضيفت الى ما فوقها فهى صغيرة، وان أضيفت الى ما دونها فهى كبيرة والكبيرة المطلقة هى الكفر، اذ لا ذنب أكبر منه. وبالجملة: المراد هاهنا أن الكبيرة التى هى غير الكفر (لا تخرج العبد المؤمن من الايمان) لبقاء التصديق الّذي هو حقيقة الايمان، خلافا للمعتزلة، حيث زعموا: أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر. وهذا هو المنزلة بين المنزلتين، بناء على أن الأعمال عندهم جزء من حقيقة الايمان (ولا تدخله) أى العبد المؤمن (فى الكفر) خلافا للخوارج، فانهم ذهبوا الى أن مرتكب الكبيرة، بل الصغيرة أيضا كافر، وأنه لا واسطة بين الكفر والايمان.
(1) البينة 8.
(2) انظر بحث علم اسحر فى تقديمنا لكتاب النبوات وما يتعلق بها للامام فخر الدين الرازى نشر الكليات الأزهرية بمصر.