فهرس الكتاب
الصفحة 59 من 112

[62] لزومه، لجواز أن يحصل قبل الفعل سلامة الأسباب والآلات، وان أم تحصل حقيقة القدرة التى بها الفعل.

وقد يجاب بأن القدرة صالحة للضدين عند «أبى حنيفة» رحمه الله تعالى حتى أن القدرة المصروفة الى الكفر هى بعينها القدرة التى تصرف الى الايمان. ولا اختلاف الا فى التعلق. وهو لا يوجب الاختلاف فى نفس القدرة. فالكافر قادر على الايمان المكلف به، الا أنه صرف قدرته الى الكفر، وضيع باختياره صرفها الى الايمان، فاستحق الذم والعقاب. ولا يخفى أن فى هذا الجواب تسليما لكون القدرة قبل الفعل، لأن [1] القدرة على الايمان فى حال الكفر، تكون قبل الايمان لا محالة.

فان أجيب بأن المرد أن القدرة وان صلحت للضدين، لكنها من حيث التعلق بأحدهما، لا تكون الا معه، حتى أن ما يلزم مقارنتها للفعل هى القدرة المتعلقة بالفعل، وما يلزم مقارنتها للترك هى القدرة المتعلقة به. وأما نفس القدرة، فقد تكون متقدمة متعلقة بالضدين [2] . قلنا: هذا مما لا يتصور فيه نزاع بل هو لغو من الكلام فليتأمل.

(ولا يكلف العبد بما ليس فى وسعه، سواء كان ممتنعا فى نفسه كجمع الضدين) أو ممكنا (فى نفسه لكن لا يمكن للعبد) [3] كخلق الجسم. وأما ما [4] يمتنع بناء على أن الله تعالى علم خلافه، أو أراد خلافه كايمان الكافر وطاعة العاصى، فلا نزاع فى وقوع التكليف به لكونه مقدورا للمكلف بالنظر الى نفسه، ثم عدم التكليف بما ليس فى الوسع متفق عليه. لقوله تعالى «لا يُكلِّفُ اللهُ نفْساً إِلّا وُسْعها» [5] والأمر فى قوله تعالى: «أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هؤُلاءِ» [6] للتعجيز دون التكليف. وقوله تعالى حكاية عن حال المؤمنين: «ربّنا ولا تُحمِّلْنا ما لا طاقة لنا بِهِ» [7] ليس المراد بالتحميل هو التكليف، بل ايصال ما لا يطاق من العوارض إليهم. وانما النزاع فى الجواز،

(1) لا أن: خ.

(2) بالضد: خ.

(3) سقط خ.

(4) ما لم: خ.

(5) البقرة 286.

(6) البقرة 31.

(7) البقرة 286 وعن حال المؤمنين: ط.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام