[50] الخلق والسواد، وهما واحد، ومحلهما واحد. وهذا كله تنبيه على كون الحكم بتغاير الفعل والمفعول ضروريا.
لكنه ينبغى للعاقل أن يتأمل فى أمثال هذه المباحث، ولا ينسب الى الراسخين من علماء الأصول ما يكون استحالته بديهية ظاهرة، على من له أدنى تمييز، بل يطلب لكلامهم محملا صحيحا [1] ، يصلح محلا لنزاع العلماء، واختلاف العقلاء. فان من يقال: التكوين غير [2] المكون، أراد أن الفاعل اذا فعل شيئا فليس هاهنا، الا الفاعل والمفعول، وأما المعنى الّذي يعبر عنه بالتكوين والايجاد، ونحو ذلك.
فهو أمر اعتبارى يحصل فى العقل من نسبة الفاعل الى المفعول، وليس أمرا محققا مغايرا للمفعول فى الخارج، ولم يرد أن مفهوم التكوين هو بعينه مفهوم المكون، ليلزم المحالات.
وهذا كما يقال: ان الوجود عين الماهية فى الخارج، بمعنى أنه ليس فى الخارج للماهية تحقق، ولعارضها المسمى بالوجود تحقق آخر، حتى يجتمعان القابل والمقبول، كالجسم والسواد، بل الماهية اذا كانت فتكونها [3] هو وجودها، لكنهما متغايران فى العقل، بمعنى أن للعقل أن يلاحظ الماهية دون الوجود، وبالعكس. فلا يتم ابطال هذا الرأى الا باثبات أن تكون الأشياء وصدورها عن البارى تعالى، يتوقف على صفة حقيقية قائمة بالذات، مغايرة للقدرة والإرادة.
والتحقيق: أن تعلق القدرة على وفق الإرادة بوجود المقدور لوقت وجوده اذا نسب الى القدرة. يسمى ايجابا له، واذا نسب الى القادر يسمى الخلق والتكوين ونحو ذلك. فحقيقته: كون الذات بحيث تعلقت قدرته بوجود المقدور لوقته، ثم يتحقق بحسب خصوصيات المقدورات خصوصيات الأفعال، كالترزيق والتصوير والاحياء والاماتة، وغير ذلك الى ما لا يكاد يتناهى،
وأما كون كل من ذلك صفة [4] حقيقية أزلية، فمما انفرد به بعض علماء ما وراء النهر، وفيه تكثير للقدماء جدا، وان لم تكن متغايرة.
والأقرب ما ذهب إليه المحققون منهم، وهو أن مرجع الكل الى
(1) صحيحا: ط.
(2) عين: ط.
(3) تكونها: خ.
(4) الصفة: خ.