فهرس الكتاب
الصفحة 44 من 46

وقال - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله)

قال المصنف في كتاب التوحيد: (وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه يدعوا إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله ... ) .

م /(والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله).

قوله (والطواغيت كثيرة) أي إذا عرفت ما حده ابن القيم بتحقق، تبين أن الطواغيت كثيرة جداً من بني آدم بلا حصر، وذلك أن كل من تجاوز حده في الشرع، صار بخروجه منه وتجاوزه طاغ.

# وأكبر الطواغيت بالاستقراء والتأمل خمسة:

[1] ـ إبليس لعنه الله.

وهو رأسهم الأكبر، وهو الشيطان الرجيم اللعين الذي قال الله له: {وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} .

وإبليس ليس من الملائكة , لأن إبليس خلق من نار، والملائكة خلقت من نور، ولأن طبيعة إبليس غير طبيعة الملائكة، فالملائكة وصفهم الله تعالى بأنهم {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} وأما الشيطان فإنه على العكس من ذلك.

ولكن لما وجه الخطاب إلى الملائكة بالسجود لآدم وكان إبليس من بينهم، صار الخطاب متوجهاً إلى الجميع فلهذا استثناه الله تعالى فقال: {فسجدوا إلا إبليس} وإلا فأصله ليس منهم بلا شك، كما قال تعالى:

{فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} .

[2] ـ ومن عبد وهو راض.

أي من عبد من دون الله وهو راض بتلك العبادة من العابد، بأي نوع من أنواعها، فهو طاغوت، وسواء عبد في حياته أو بعد مماته إذا مات وهو راض بذلك.

[3] ـ ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه.

أي من دعا إلى عبادة نفسه وإن لم يعبدوه فإنه من رؤوس الطواغيت، سواءً أجيب لما دعا إليه أم لم يُجَبْ.

[4] ـ ومن ادعى شيئاً من علم الغيب.

من ادعى شيئاً من علم الغيب فهو كافر، لأنه مكذب لله عز وجل، قال تعالى: {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} ، وإذا كان الله عز وجل يأمر نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله فإن من ادعى علم الغيب فقد كذب الله عز وجل في هذا الخبر.

ونقول لهؤلاء: كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم الغيب؟ هل أنتم أم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أشرف؟ فإن قالوا نحن أشرف من الرسول، كفروا بهذا القول، وإن قالوا هو أشرف، فنقول: لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه، وقد قال الله عز وجل عن نفسه: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً} وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يعلن للملأ بقوله: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إليّ} .

[5] ـ ومن حكم بغير ما أنزل الله.

كمن يحكم بقوانين الجاهلية، والقوانين الدولية، بل جميع من حكم بغير ما أنزل الله سواء كان بالقوانين، أو بشيء مخترع، وهو ليس من الشرع، فهو طاغوت من أكبر الطواغيت.

فمن لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أو احتقاراً له، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق، أو مثله فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة.

قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} .

وقال تعالى في سورة النساء: {ألم تر إلى الذين آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً ... } إلى أن قال: { ... فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} ، أقسم الله عز وجل بنفسه، أنهم لا يؤمنون حتى يستكملوا ثلاثة أشياء:

(1) أن يحكموا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور.

(2) أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى به.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام